التقدير : كما هداكم ، أي : أذكروه وعظموه للهداية السابقة منه تعالى لكم ، وحكى سيبويه : كما أنه لا يعلم ، فتجاوز الله عنه ، أي : لأنه لا يعلم ، وأثبت لها هذا المعنى الأخفش ، وابن برهان. وما ، في : كما ، مصدرية أي : كهدايته إياكم ، وجوّز الزمخشري ، وابن عطية أن تكون : ما ، كافة للكاف عن العمل ، والفرق بينهما أن : ما ، المصدرية تكون هي وما بعدها في موضع جر ، إذ ينسبك منها مع الفعل مصدر ، والكافة لا يكون ذلك فيها إذ لا عمل لها البتة ، والأولى حملها على أن : ما ، مصدرية لإقرار الكاف على ما استقر لها من عمل الجر ، وقد منع أن تكون الكاف مكفوفة بما عن العمل أبو سعد ، وعلي بن مسعود بن الفرّ حال صاحب (المستوفي) واحتج من أثبت ذلك بقول الشاعر :
لعمرك إنني وأبا حميد |
|
كما النشوان والرجل الحليم |
أريد هجاءه وأخاف ربي |
|
وأعلم أنه عبد لئيم |
والهداية هنا خاصة ، أي : بأن ردكم في مناسك حجكم إلى سنة إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه ، فما عامة تتناول أنواع الهدايات من معرفة الله ، ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله وشرائعه.
(وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) إن هنا عند البصريين هي التي للتوكيد المخففة من الثقيلة ، ودخلت على الفعل الناسخ كما دخلت على الجملة الابتدائية. واللام في : لمن ، وما أشبهه فيها خلاف : أهي لام الابتداء لزمت للفرق؟ أم هي لام أخرى اجتلبت للفرق؟ ومذهب الفراء : في إن نحو هذا هي النافية بمعنى ما ، واللام بمعنى إلّا ، وذهب الكسائي إلى أنّ : بمعنى : قد ، إذا دخل على الجملة الفعلية ، وتكون اللام زائدة ، وبمعنى : ما ، النافية إذا دخل على الجملة الاسمية ، واللام بمعنى إلّا ، ودلال هذه المسألة تذكر في علم النحو.
فعلى قول البصريين : تكون هذه الجملة مثبتة مؤكدة لا حصر فيها ، وعلى مذهب الفراء : مثبتة إثباتا محصورا ، وعلى مذهب الكسائي : مثبتة مؤكدة من جهة غير جهة قول البصريين.
ومن قبله ، يتعلق بمحذوف ، ويبينه قوله : لمن الضالين ، التقدير : وإن كنتم ضالين من قبله لمن الضالين ، ومن تسمح من النحويين في تقديم الظرف والمجرور على العامل