وقرأ يحيى بن معمر : وقضي الأمور ، بالجمع ، وبني الفعل للمفعول وحذف الفاعل للعلم به ، ولأنه لو أبرز وبنى الفعل للفاعل لتكرر الاسم ثلاث مرات.
(وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) قرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ترجع ، بفتح التاء وكسر الجيم في جميع القرآن ، ويعقوب : بالتاء مفتوحة وكسر الجيم في جميع القرآن ، على أن : رجع ، لازم وباقي السبعة : بالياء وفتح الجيم مبنيا للمفعول ، وخارجة عن نافع : يرجع بالياء. وفتح الجيم على أن رجع متعد. وكلا الاستعمالين له في لسان العرب ، ولغة قليلة في المتعدي أرجع رباعيا ، فمن قرأ بالتاء فلتأنيث الجمع ، ومن قرأ بالياء فلكون التأنيث غير حقيقي.
وصرح باسم الله لأنه أفخم وأعظم وأوضح ، وإن كان قد جرى ذكره في قوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) ولأنه في جملة مستأنفة ليست داخلة في المنتظر ، وإنما هي إعلام بأن الله إليه تصير الأمور كلها. لا إلى غيره ، إذ هو المنفرد بالمجازاة ، ولرفع إبهام ما كان عليه ملوك الدنيا من دفع أمور الناس إليهم ، فأعلم أن هذا لا يكون لهم في الآخرة منها شيء ، بل ذلك إلى الله وحده ، أو لإعلام انها رجعت إليه في الآخرة بعد أن كان ملكهم بعضها في الدنيا ، فصارت إليه كلها في الآخرة.
وإذا كان الفعل مبنيا للمفعول فالفاعل المحذوف ، إما الله تعالى ، يرجعها إلى نفسه بإفناء الدنيا وإقامة القيامة ، أو ذوو الأمور ، لما كانت ذواتهم وصفاتهم شاهدة عليهم بأنهم مخلوقون محاسبون مجزيون ، كانوا رادّين أمورهم إلى خالقها ، قيل : أو يكون ذلك على مذهب العرب في قولهم : فلان معجب بنفسه ، ويقول الرجل لغيره : إلى أين يذهب بك؟ وإن لم يكن أحد يذهب به. انتهى. وملخصه : انه يبنى الفعل للمفعول ولا يكون ثم فاعل ، وهذا خطأ ، إذ لا بد للفعل من تصوّر فاعل ، ولا يلزم أن يكون الفاعل للذهاب أحدا ، ولا الفاعل للإعجاب ، بل الفاعل غيره ، فالذي أعجبه بنفسه هو رأيه ، واعتقاده بجمال نفسه ، فالمعنى أنه أعجبه رأيه ، وذهب به رأيه ، فكأنه قيل : أعجبه رأيه بنفسه ، وإلى أين يذهب بك رأيك أو عقلك؟ ثم حذف الفاعل ، وبني الفعل للمفعول.
قيل : وفي قوله : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) قسمان من أقسام علم البيان :
أحدهما : الإيجاز في قوله : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) فإن في هاتين الكلمتين يندرج في