الأرض ، ثم ذكر تعالى سبب سعيه وأنه للإفساد مطلقا ، وليهلك الحرث والنسل اللذين هما قوام الوجود ، ثم أخبر تعالى أنه لا يحب الفساد ، فهذا المتولي الساعي في الأرض يفعل ما لا يحبه الله ولا يرضاه ، ثم ذكر أنه من شدّة الشكيمة في النفاق إذا أمر بتقوى الله تعالى استولت عليه الأنفة والغضب بالإثم. أي : مصحوبا بالإثم فليس غضبه لله. إنما هو لغير الله ، فلذلك استصحبه الإثم.
ثم ذكر تعالى ما يؤول إليه حال هذا الآنف المغترّ بغير الله ، وهو جهنم ، فهي كافية له ، ومبدلته بعد عزه ذلا ، ثم ذمّ تعالى ما مهد لنفسه من جهنم ، وبئس الغاية الذم ، ثم ذكر تعالى القسم المقابل لهذا القسم ، وهو : من باع نفسه في طلاب رضى الله تعالى ، واكتفى بهذا الوصف الشريف ، إذ دل على انطوائه على جميع الطاعات والانقيادات ، إذ صار عبد الله يوجد حيث رضي الله تعالى ، ثم ذكر تعالى أن من كان بهذه المثابة رأف الله به ورحمه ، ورأفة الله به تتضمن اللطف به والإحسان إليه بجميع أنواع الإحسان ، وذكر الرأفة التي هي ، قيل : أرق من الرحمة.
ثم نادى المؤمنين بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وأمرهم بالدخول في الإسلام ، وثنى بالنهي ، لأن الأمر أشق من النهي ، لأن الأمر فعل والنهي ترك ، ولمجاورته قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) فصار نظير : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) (١) ولما نهاهم تعالى عن اتباع خطوات الشيطان ، وهي : سلوك معاصي الله ، أخبر أنه إن زلوا من بعد ما أتتهم البينات الواضحة النيرة التي لا ينبغي أن يقع الزلل معها ، لأن في إيضاحها ما يزيل اللبس ، فاعلموا أن الله عزيز لا يغالب ، حكيم يضع الأشياء مواضعها ، فيجازي على الزلل بعد وضوح الآيات التي تقتضي الثبوت في الطاعة بما يناسب ذلك الزلل ، فدل بعزته على القدرة ، وبحكمته على جزاء العاصي والطائع : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٢).
ثم أعرض تعالى عن خطابهم ، وأخبر عنهم إخبار الغائبين ، مسليا لرسوله عن تباطئهم في الدخول في الإسلام ، فقال : ما ينتظرون إلّا قيام الساعة يوم فصل الله بين العباد ، وقضاء الأمر ، ورجوع جميع الأمور إليه ، فهناك تظهر ثمرة ما جنوا على أنفسهم ، كما جاء في الحديث : «إن يوم القيامة يأتيهم الله في صورة» كذا ، على ما يليق بتقديسه عن
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٦.
(٢) سورة النجم : ٥٣ / ٣١.