كلام ، ويدل على استفهام لكنه استفهام تقرير ، وهي التي عبر عنها أبو محمد بن عطية : بأن أم قد تجيء ابتداء كلام ، وإن لم يكن تقسيم ولا معادلة ، ألف استفهام.
فقوله : قد تجيء ابتداء كلام ليس كما ذكر ، لأنها تتقدّر ، ببل والهمزة ، فكما أن : بل ، لا بد أن يتقدّمها كلام حتى يصير في حيز عطف الجمل ، فكذلك ما تضمن معناه.
وزعم بعض اللغويين أنها تأتي بمنزلة همزة الاستفهام ، ويبتدأ بها ، فهذا يقتضي أن يكون التقدير : أحسبتم؟ وقال الزجاج : بمعنى بل ، قال :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى |
|
وصورتها ، أم أنت في العين أملح؟ |
ورام بعض المفسرين أن يجعلها متصلة ، ويجعل قبلها جملة مقدرة تصير بتقديرها أم متصلة ، فتقدير الآية : فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق ، فصبروا على استهزاء قومهم بهم ، أفتسلكون سبيلهم؟ أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير سلوك سبيلهم؟
فتلخص في أم هنا أربعة أقوال : الانقطاع على انها بمعنى بل والهمزة ، والاتصال : على إضمار جملة قبلها ، والاستفهام بمعنى الهمزة ، والإضراب بمعنى بل ؛ والصحيح هو القول الأوّل.
ومفعولا : حسبتم ، سدّت أن مسدّهما على مذهب سيبويه ، وأما أبو الحسن فسدت عنده مسد المفعول الأوّل ، والمفعول الثاني محذوف ، وقد تقدم هذا المعنى في قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) (١).
(وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) الجملة حال ، التقدير : غير آتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم ، أي : إن دخول الجنة لا بد أن يكون على ابتلاء شدائد ، وصبر على ما ينال من أذى الكفار ، والفقر والمجاهدة في سبيل الله ، وليس ذلك على مجرد الإيمان فقط بل ، سبيلكم في ذلك سبيل من تقدمكم من اتباع الرسل. خاطب بذلك الله تعالى عباده المؤمنين ، ملتفتا إليهم على سبيل التشجيع والثبيت لهم ، وإعلاما لهم أنه لا يضركون أعدائكم لا يوافقون ، فقد اختلفت الأمم على أنبيائها ، وصبروا ، حتى آتاهم النصر.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٤٦.