الشبهة ، وقد ذكر العلماء في هذه الآيات مخصصات تخرجها بذلك عن التأكيد. فقيل : الأولى من قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ) ، نسخ للقبلة الأولى ، والثانية لاستواء الحكم في جميع الأمكنة ، والثالثة للدّوام في جميع الأزمان. وقيل : الأولى في المسجد الحرام ، والثانية خارج المسجد ، والثالثة خارج البلد. وقيل : الخروج الأول إلى مكان ترى فيه الكعبة ، والثاني إلى مكان لا ترى فيه ، فسوى بين الحالتين. وقيل : الخروج الأول متصل بذكر السبب ، وهو : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ، والثاني متصل بانتفاء الحجة ، وهو : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ). وقيل : الأول لجميع الأحوال ، والثاني لجميع الأمكنة ، والثالث لجميع الأزمنة. وقيل : الأول أن يكون الإنسان في المسجد الحرام ، والثاني : أن يكون خارجا عنه وهو في البلد ، والثالث أن يخرج عن البلد إلى أقطار الأرض ، فسوى بين هذه الأحوال ، لئلا يتوهم أن للأقرب حرمة لا تثبت للأبعد. وقيل : التخصيص حصل في كل واحد من الثلاثة بأمر ، فالأول بين فيه أن أهل الكتاب يعلمون أمر نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وأمر هذه القبلة ، حتى أنهم شاهدوا ذلك في التوراة والإنجيل ، والثاني فيه شهادة الله بأن ذلك حق ، والثالث بين فيه أنه فعل ذلك (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) ، فقطع بذلك قول المعاندين. وقيل : الأول مقرون بإكرامه تعالى إياهم بالقبلة التي كانوا يحبونها ، وهي قبلة إبراهيم ، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ، بقوله : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) ، أي لكل صاحب دعوة قبلة يتوجه إليها ، فتوجهوا أنتم إلى أشرف الجهات التي يعلم الله أنها الحق ، والثالث مقرون بقطع الله حجة من خاصمه من اليهود. وقيل : ربما خطر في بال جاهل أنه تعالى فعل ذلك لرضا نبيه لقوله : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) ، فأزال هذا الوهم بقوله : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ، أي ما حولناك لمجرد الرضا ، بل لأجل أن هذا التحويل هو الحق ، فليست كقبلة اليهود التي يتبعونها بمجرد الهوى ، ثم أعاد ثالثا ، والمراد : دوموا على هذه القبلة في جميع الأزمنة. وقيل : كرر (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) ، فحث بإحداهما على التوجه إلى القبلة بالقلب والبدن ، في أي مكان كان الإنسان ، نائيا كان عنها ، أو دانيا منها ، وذلك في حال التمكن والاختيار ، وحث بالأخرى على التوجه بالقلب نحوه عند اشتباه القبلة في حالة المسابقة ، وفي النافلة في حالة السفر ، وعلى الراحلة في السفر.
(لِئَلَّا يَكُونَ) : هذه لام كي ، وأن بعدها لا النافية ، وقد حجز بها بين أن ومعمولها الذي هو يكون ، كما أنهم حجزوا بها بين الجازم والمجزوم في قولهم : أن لا تفعل أفعل. وكتبت في المصحف : لا ما بعدها ياء ، بعدها لام ألف ، فجعلوا صورة للهمزة الياء ، وذلك