و : إلى ، متعلق بيدعون كقوله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (١) ويتعدى أيضا باللام ، كقوله.
دعوت لما نابني مسورا
ومفعول يدعون محذوف : إما اقتصارا إذ المقصود إثبات أن من شأنهم الدعاء إلى النار من غير ملاحظة مفعول خاص ، وإما اختصارا ، فالمعنى : أولئك يدعونكم إلى النار.
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) هذا مما يؤكد منع مناكحة الكفار ، إذ ذكر قسيمان : أحدهما يجب اتباعه ، وآخر يجب اجتنابه ، فتباين القسيمان ، ولا يمكن إجابة دعاء الله واتباع ما أمر به إلّا باجتناب دعاء الكفار وتركهم رأسا ، ودعاء الله إلى اتباع دينه الذي هو سبب في دخول الجنة ، فعبر بالمسبب عن السبب لترتبه عليه.
وظاهر الآية الإخبار عن الله تعالى بأنه هو تعالى يدعو إلى الجنة ، وقال الزمخشري : يعني : وأولياء الله وهم المؤمنون يدعون إلى الجنة والمغفرة ، وما يوصل إليهما ، فهم الذين تجب موالاتهم ومصاهرتهم ، وأن يؤثروا على غيرهم. انتهى. وحامله على أن ذلك هو على حذف مضاف طلب المعادلة بين المشركين والمؤمنين في الدعاء ، فلما أخبر عن من أشرك أنه يدعو إلى النار ، جعل من آمن يدعو إلى الجنة ، ولا يلزم ما ذكر ، بل إجراء اللفظ على ظاهره من نسبة الدعاء إلى الله تعالى هو آكد في التباعد من المشركين ، حيث جعل موجد العالم منافيا لهم في الدعاء ، فهذا أبلغ من المعادلة بين المشركين والمؤمنين.
وقرأ الجمهور : والمغفرة ، بالخفض عطفا على الجنة ، والمعنى أنه تعالى يدعو إلى المغفرة ، أي : إلى سبب المغفرة ، وهي التوبة والتزام الطاعات ، وتقدم هنا الجنة على المغفرة ، وتأخر عنها في قوله : (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) (٢) وفي قوله : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) (٣) والأصل فيه تقدم المغفرة على الجنة ، لأن دخول الجنة متسبب عن حصول المغفرة ، ففي تلك الآيتين جاء على هذا الأصل ، وأما هنا ، فتقدم ذكر الجنة على المغفرة لتحسن المقابلة ، فإن قبله (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) فجاء (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ) وليبدأ بما تتشوف إليه النفس حين ذكر دعاء الله ، فأتى بالأشرف للأشرف ، ثم أتبع بالمغفرة على سبيل التتمة في الإحسان ، وتهيئة سبب دخول الجنة.
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٢٥.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٣٣.
(٣) سورة الحديد : ٥٧ / ٢١.