الظلم ، أو إلا أن تظلمني ، أي ما لك حجة البتة ، ولكنك تظلمني. وأجاز قطرب أن يكون الذين في موضع جر بدلا من ضمير الخطاب في عليكم ، ويكون التقدير : لئلا تثبت حجة للناس على غير الظالمين منهم ، وهم أنتم أيها المخاطبون ، بتولية وجوهكم إلى القبلة. ونقل السجاوندي أن قطربا قرأ : إلا على الذين ظلموا ، وهو بدل أيضا على إظهار حرف الجر ، كقوله : (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) (١) ، وهذا ضعيف ، لأن فيه إبدال الظاهر من ضمير الخطاب ، بدل شيء من شيء ، وهما لعين واحدة ، ولا يجوز ذلك إلا على مذهب الأخفش. وزعم أبو عبيد معمر بن المثنى أن إلا في الآية بمعنى الواو ، وجعل من ذلك قوله :
ما بالمدينة دار غير واحدة |
|
دار الخليفة إلا دار مروانا |
وقوله :
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان |
التقدير : عنده والذين ظلموا ، ودار مروان والفرقدان وإثبات إلا بمعنى الواو ، لا يقوم عليه دليل ، والاستثناء سائغ فيما ادّعى فيه أن إلا بمعنى الواو ، وكان أبو عبيدة يضعف في النحو. وقال الزجاج : هذا خطأ عند حذاق النحويين ، وأضعف من هذا زعم من زعم أن إلا بمعنى بعد ، أي بعد الذين ظلموا ، وجعل من ذلك (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) (٢) ، أي بعد ما قد سلف ، و (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٣) ، أي بعد الموتة الأولى ، ولولا أن بعض المفسرين ذكر هذين القولين ، ما ذكرتهما لضعفهما. (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) : هذا فيه تحقير لشأنهم ، وأمر باطراحهم ، ومراعاة لأمره تعالى. وضمير المفعول في فلا تخشوهم يحتمل أن يعود على الناس ، أي فلا تخشوا الناس ، وأن يعود على الذين ظلموا ، أي فلا تخشوا الظالمين. ونهى عن خشيتهم فيما يزخرفونه من الكلام الباطل ، فإنهم لا يقدرون على نفع ولا ضر. وأمر بخشيته هو في ترك ما أمرهم به من التوجه إلى المسجد الحرام. وقيل : المعنى فلا تخشوهم في المباينة ، واخشوني في المخالفة ، ومعناه قريب من الأول. وقد ذكرنا شرح هاتين الجملتين في ذكر قراءة ابن عباس بقريب من هذا. وقال السدي : معناه لا تخشوا أن
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٧٥.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٢٢ و ٢٣.
(٣) سورة الدخان : ٤٤ / ٥٦.