أن يجيبه إذا دعاه لما هو من هواه ، وهم كانوا قريبين عهد بالإيمان وحديثه ، فمنعوا من ذلك سدا للتطرق إلى النار.
ثم أخبر تعالى أنه هو يدعو إلى الجنة والمغفرة ، فهو الناظر بالمصلحة لكم في تحريم ما حرّم وإباحة ما أباح ، وهو يبين آياته ويوضحها بحيث لا يظهر معها لبس ، وذلك لرجاء تذكركم واتعاظكم بالآيات.
ولما ذكر تعالى تحريم نكاح من قام به وصف الإشراك ، ذكر تحريم وطء من قام به في الحيض من المؤمنات ، وغيّا ذلك بالطهر كما غيّا ما قبله بالإيمان ، ثم أباح إذا تطهرن لنا الوطء لهنّ من حيث أمر الله وهو المكان الذي كان مشغولا بالحيض ، وأمرنا باجتناب وطئه في وقت الحيض ، ثم نبه على مزية التائب والمتطهر بكونه تعالى يحبه ، ولم يكتف بذلك في جملة واحدة حتى كرر ذلك في جملتين وأفرد كل وصف بمحبة فقال : إن الله يحب التوّابين ويحب المتطهرين.
ثم ذكر تعالى إباحة الوطء للمرأة التي ارتفع عنها الحيض على الحالة التي يشاؤها الزوج ويختارها ، من كونها مقبلة أو مدبرة ، أو مجنبة أو مضطجعة ، ومن أي شق شاء ، لما في التنقل من مزيد الالتذاذ ، والاستمتاع بالنظر إلى سائر بدنها ، والهيآت المحركة للباه.
ونبه بالحرث على أنه محل النسل ، فدل ذلك على تحريم الوطء في الدبر لأنه ليس محل النسل ، وإذا كانوا قد منعوا من وطء الحائض لما اشتمل عليه محل الوطء من الأذى بدم الحيض ، فلأن يمنعوا من المحل الذي هو أكثر أذى أولى وأحرى ، ولما كان قدم نهي وأمر في الآيات السابقة وفي هذا ، ختم ذلك بالأمر بتقديم العمل الصالح ، وأن ما قدّمه الإنسان إنما هو عائد على نفع نفسه ، ثم أمر بتقوى الله تعالى ، وأمر بأن يعلم ويوقن اليقين الذي لا شك فيه أنا ملاقو الله ، فيجازينا على أعمالنا ، وأمر نبيه أن يبشر المؤمنين ، وهم الذين امتثلوا ما أمر به واجتنبوا ما نهى عنه ، فكان ابتداء هذه الآيات بالتحذير عن معاطاة العصيان ، واختتامها بالتبشير لأهل الإيمان آيات تعجز عن وصف ما تضمنته البدائع الألسن ، ويذعن لفصاحتها الجهبذ اللسن ، جمعت بين براعة اللفظ ونصاعة المعنى ، وتعلق الجمل وتأنق المبنى ، من سؤال وجواب ، وتحذير من عقاب ، وترغيب في ثواب ، هدت إلى الصراط المستقيم ، وتلقيت من لدن حكيم عليم.