البين فيه (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) (١) قد بينا مجيء هذا على الجائز فيه ، وأن محسن ذلك إنما هو كونه فاصلة ، وقوله : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) (٢) فائدة ذكر الزمخشري هذا أنه على زعمه أراد الليالي ، والأيام داخلة معها ، فأتى بقوله : إلّا يوما ، للدلالة على ذلك ، وهذا عندنا يدل على أن قوله : عشرا ، إنما يريد بها الأيام ، لأنهم اختلفوا في مدة اللبث ، فقال قوم : عشر ، وقال ، أمثلهم طريقة : يوم ، فقوله : إلّا يوما ، مقابل لقولهم إلّا عشرا ، ويبين أنه أريد بالعشر الأيام ، إذ ليس من التقابل أن يقول بعضهم : عشر ليال ، ويقول بعض : يوما.
وظاهر قوله : أربعة أشهر ما يقع عليه اسم الشهر ، فلو وجبت العدّة مع رؤية الهلال لاعتدّت بالأهلة ، كان الشهر تاما أو ناقصا. وإن وجبت في بعض شهر ، فقيل : تستوفي مائة وثلاثين يوما ، وقيل : تعتدّ بما يمر عليها من الأهلة شهورا ، ثم تكمل الأيام الأول ، وكلا القولين عن أبي حنيفة.
ولما كان الغالب على من مات عنها زوجها أن تعلم ذلك ، فتعتد إثر الوفاة ، جاء الفعل مسندا : إليهن ، وأكد بقوله : بأنفسهن ، فلو مضت عليها مدة العدة من حين الوفاة ، وقامت على ذلك البينة ، ولم تكن علمت بوفاته إلى أن انقضت العدة ، فالذي عليه الجمهور أن عدتها من يوم الوفاة ، وبه قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وجابر ، وعطاء والأسود بن يزيد ، وفقهاء الأمصار.
وقال علي ، والحسن البصري ، وخلاس بن عمرو ، وربيعة : من يوم يأتيها الخبر.
وكأنهم جعلوا في إسناد التربص إليهن تأثيرا في العدة. وروي عن سعيد بن المسيب ، والشافعي : أنهما قالا : إذا قامت البينة فالعدة من يوم يموت ، وإن لم تقم بينة فمن يوم يأتيها الخبر.
وروي عن الشافعي مثل قول الجمهور ، وأجمعوا على أن المعتدة ، لو كانت حاملا لا تعلم بوفاة الزوج حتى وضعت الحمل ، أن عدتها منقضية ، ولم تتعرض الآية في المتوفى عنها زوجها إلّا لأن تتربص تلك المدة ، فلا نفقة لها في مدة العدة من رأس المال ، ولو كانت حاملا ، قاله جابر ، وابن عباس ، وابن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وعكرمة ، وعبد الملك بن يعلى ، ويحيى الأنصاري ، وربيعة ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر ، وروي عن أبي حنيفة.
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ١٠٣.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ١٠٤.