فنصف ما فرضتم ، معناه : عليكم نصف ما فرضتم في كل حال إلّا في حال عفوهن عنكم ، فلا يجب ، وإن كان التقدير : فلهن نصف فالواجب ما فرضتم ، فكذلك أيضا وكونه استثناء من الأحوال ظاهر ، ونظيره : (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) (١) إلّا أن سيبويه منع أن تقع أن وصلتها حالا ، فعلى قول سيبويه يكون : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) استثناء منقطعا.
وقرأ الحسن : إلّا أن يعفونه ، والهاء ضمير النصف ، والأصل : يعفون عنه ، أي : عن النصف ، فلا يأخذنه. وقال بعضهم : الهاء للاستراحة ، كما تأول ذلك بعضهم في قول الشاعر :
هم الفاعلون الخير والآمرونه |
|
على مدد الأيام ما فعل البر |
وحركت تشبيها بهاء الضمير. وهو توجيه ضعيف.
وقرأ ابن أبي إسحاق : إلّا أن تعفون ، بالتاء بثنتين من أعلاها ، وذلك على سبيل الالتفات ، إذ كان ضميرهن غائبا في قوله : لهن ، وما قبله فالتفت إليهن وخاطبهن ، وفي خطابه لهن ، وجعل ذلك عفوا ما يدل على ندب ذلك واستحبابه.
وفرق الزمخشري بين قولك : الرجال يعفون ، والنساء يعفون ، بأن الواو في الأول ضمير ، والنون علامة الرفع ، والواو في الثاني لام الفعل والنون ضميرهن ، والفعل مبني لا أثر في لفظه للعامل. انتهى. فرقه ، وهذا من النحو الجلي الذي يدرك بأدنى قراءة في هذا العلم ، ونقصه أن يبين أن لام الفعل في الرجال : يعفون ، حذفت لالتقائها ساكنة مع واو الضمير ، وأن يذكر خلافا في نحو النساء يعفون ، فذهب ابن درستويه من المتقدّمين ، والسهيلي من المتأخرين ، إلى أن الفعل إذا اتصلت به نون الإناث معرب لا مبني ، وينسب ذلك إلى كلام سيبويه. والكلام على هذه المسألة موضح في علم النحو.
وظاهر قوله : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) العموم في كل مطلقة قبل المسيس ، وقد فرض لها ، فلها أن تعفو. قالوا : وأريد هنا بالعموم الخصوص ، وكل امرأة تملك أمر نفسها لها أن تعفو ، فأما من كانت في حجاب أو وصي فلا يجوز لها العفو ، وأما البكر التي لا وليّ لها ، فقال ابن عباس ، وجماعة من التابعين والفقهاء : يجوز ذلك لها ، وحكى سحنون ، عن ابن القاسم : أنه لا يجوز ذلك لها.
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٦٦.