والأظهر حمله على السكوت ، إذ صح أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة ، حتى نزلت : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) فأمروا بالسكوت. والمعنى : وقوموا في الصلاة.
وروي أنهم كانوا إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يمدّ بصره ، أو يلتفت ، أو يقلب الحصا ، أو يحدّث نفسه بشيء من أمور الدنيا ، وإذا كان القنوت في الآية هو السكوت على ما جاء في الحديث ، فأجمعوا على أنه : لو تكلم عامدا وهو يعلم أنه في الصلاة ، ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته ، فسدت صلاته إلّا ما روي عن الأوزاعي : أن الكلام لإحياء نفس ، أو مثل ذلك من الأمور الجسام ، لا يفسد الصلاة.
أو : ساهيا ، فقال مالك والشافعي : لا تفسد ، وعن مالك في بعض صور الكلام خلاف بينه وبين أصحابه ، وقال أبو حنيفة ، والثوري : تفسد كالعمد ، لإصلاح صلاة كان أو لغيره ، وهو قول النخعي ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، وحماد بن أبي سليمان.
واختلف قول أحمد فنقل الخرقي كقول أبي حنيفة ، ونقل الأثرم عنه : إن تكلم لإصلاحها لم تفسد ، أو لغيره فسدت ، وهذا قول مالك.
وفي قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) دليل على مطلوبية القيام ، وأجمعوا على أن القيام في صلاة الفرض واجب على كل صحيح قادر عليه ، كان منفردا أو إماما؟ واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي خلف إمام مريض قاعدا لا يستطيع القيام ، فأجاز ذلك جمهور العلماء : جابر بن زيد ، والأوزاعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو أيوب ، وسليمان بن داود الهاشمي ، وأبو خيثمة ، وابن أبي شيبة ، ومحمد بن إسماعيل ، ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل : محمد بن نصر ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة : فيصلي وراءه جالسا على مذهب هؤلاء ، وأفتى به من الصحابة : جابر ، وأبو هريرة ، وأسيد بن حضير ، وقيس بن فهر. وروى هذا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنس ، وعائشة ، وأبو هريرة ، وجابر ، وابن عمر ، وأبو أمامة الباهلي.
وأجازت طائفة صلاة القائم خلف صلاة المريض قاعدا ، وإلى هذا ذهب : الشافعي ، وداود ، وزفر ، وجماعة بالمدينة ، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك وهي رواية غريبة عنه. والمشهور عن مالك أنه لا يؤم أحد جالسا ، فإن فعل بطلت صلاته وصلاتهم إلّا إن كان عليلا ، فتصح صلاته وتفسد صلاتهم ، وإلى هذا ذهب محمد بن الحسن ، قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي : وأول من أبطل صلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن