والأنصار : الأعوان جمع نصير ، كحبيب وأحباب ، وشريف وأشراف. أو : ناصر ، كشاهد وأشهاد ، وجاء جمعا باعتبار أن ما قبله جمع ، كما جاء : (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (١) والمفرد يناسب المفرد نحو : (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٢) لا يقال : انتفاء الجمع لا يدل على انتفاء المفرد ، لأن ذلك في معرض نفي النفع والإغناء ، وحصول الاستعانة ، فإذا لم يجد الجمع ولم يغن ، فأحرى أن لا يجدي ولا يغني الواحد.
ولما بيّن تعالى فضل الإنفاق في سبيله وحث عليه ، وحذرنا من الجنوح إلى نزغات الشيطان ، وذكرنا بوعد الله الجامع لسعادة الآخرة والدنيا من المغفرة والفضل ، وبين أن هذا الأمر والفرق بين الوعدين لا يدركه إلّا من تخصص بالحكمة التي يؤتيها الله من يشاء من عباده ، رجع إلى ذكر النفقة والحث عليها ، وأنها موضوعة عند من لا ينسى ولا يسهو ، وصار ذكر الحكمة مع كونه متعلقا بما تقدم كالاستطراد ، والتنويه بذكرها ، والحث على معرفتها.
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) أي : إن تظهروا إعطاء الصدقات. قال الكلبي : لما نزلت : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) الآية قالوا : يا رسول الله! أصدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فنزلت : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) وقال يزيد بن أبي حبيب : نزلت في الصدقة على اليهود والنصارى ، وكان يأمر بقسم الزكاة في السر ، والصدقات ظاهر العموم ، فيشمل المفروضة والمتطوّع بها.
وقيل الألف واللام للعهد ، فتصرف إلى المفروضة ، فإن الزكاة نسخت كل الصدقات ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، ويزيد بن أبي حبيب.
وقيل : المراد هنا صدقات التطوّع دون الفرض ، وعليه جمهور المفسرين ، وقاله سفيان الثوري.
وقد اختلفوا : هل الأفضل إظهار المفروضة أم إخفاؤها؟ فذهب ابن عباس وآخرون إلى أن إظهارها أفضل من إخفائها. وحكى الطبري الإجماع عليه واختاره القاضي أبو يعلى ، وقال أيضا ابن عباس : إخفاء صدقة التطوّع أفضل من إظهارها ، وروي عنه : صدقات السر في التطوّع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٢٢ و ٥٦ و ٩١ والنحل : ١٦ / ٣٧ ، والروم : ٣٠ / ٢٩.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٢٠.