الخيانات للحق وللدين ؛ لأهداف دنيوية رخيصة ، وصدق المثل الذي يقول : «لأمر ما جدع قصير أنفه».
ولعلك تقول : كيف يمكن لرجلين : أن يقفا في وجه قريش ويرداها على أعقابها؟! وهي في إبان غضبها ، وأعلى درجات تحمسها.
والجواب : أن الرجل الواحد أيضا كان يكفي لرد كيد قريش ، وذلك لأن هذا الرجل أو هذين الرجلين يقف أو يقفان على فم الشعب ، حيث لا يمكن أن يعبر إلا أفراد أو جماعات صغيرة يمكن ردها على أعقابها برد الفئة الأولى منها.
وقد كان يقال : إن عمرو بن عبد ود ـ الذي قتله أمير المؤمنين «عليه السلام» ـ يعد بألف فارس ، وذلك لأنه وقف على فم الوادي ، ومنع ألف فارس من ورودها ، ولم يمكن دخول الألف إلا متفرقين بسبب ضيق المكان.
سرية الاجتماع ، والتقية.
إن المحافظة على سرية الاجتماع ، التي بلغت الحد الذي لم يستطع حتى من كانوا ينامون مع المسلمين : أن يشعروا بشيء ، ولا عرفوا بغيبة رفقائهم ، وكذلك الحال في موعد الاجتماع ومكانه ، والطريقة التي تم بها ، رغم ضخامته ، واتساع نطاقه ـ إن كل ذلك ـ ليعتبر مثلا رائعا ، ودليلا قويا على مدى وعي أولئك المسلمين ويقظتهم ، وحسن تدبيرهم.
كما أنه برهان آخر على أن اللجوء إلى عنصر السرية لا يعتبر تخاذلا ، إذا كان المسلمون لا يملكون مقومات الدفاع عن أنفسهم في مقابل قوى الظلم والطغيان.