ماذا عن الهجرة إلى المدينة؟
لقد أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» أصحابه بالهجرة إلى المدينة ، تمهيدا لخروجه هو «صلى الله عليه وآله» إليها أيضا ، وقال لهم : إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها ، فهاجر إليها المسلمون ، بعضهم سرا ، وبعضهم علانية ، مضحين بوطنهم ، وبعلاقاتهم ، وكثير منهم بثرواتهم ، ومكانتهم الاجتماعية وكل شيء ؛ في سبيل دينهم ، وعقيدتهم.
وهذا معناه : أن الدين والعقيدة فوق وأغلى من كل شيء ؛ فالوطن ، والمال ، والجاه ، وكل شيء لا قيمة له ، إذا كان الدين مهددا بالخطر ؛ لأن الحفاظ على الدين الصحيح ، معناه الحفاظ على الوطن والمال وكل شيء ، وبدونه يكون كل شيء في معرض الزوال ، إن لم يكن عبئا ، أو فقل : خطرا يتهدد هذا الإنسان في كثير من الظروف والأحوال.
قريش والهجرة :
وقد قدمنا بعض الكلام حول الهجرة ، وموقف قريش منها حين الكلام على هجرة الحبشة فلا نعيد ، وإذا كانت قريش قد قاومت الهجرة إلى الحبشة بذلك الشكل القوي ، حتى لقد حاولت استرجاع المسلمين من أرض الحبشة ، فماذا عساها يكون موقفها من الهجرة إلى المدينة ، والتي ترى فيها أعظم الخطر على مصالحها ، وعلى وجودها ومستقبلها؟!.
لقد حاولت أن تمنع المسلمين من الهجرة بمختلف الوسائل ، فكانت تحبس من تظفر به منهم ، وتفتنه عن دينه ، وتمارس ضده مختلف أساليب القهر والقسوة ، فلم تنجح ولم تفلح وهي من الجهة الأخرى ترى نفسها عاجزة عن التصفية الجسدية لأكثر المسلمين ؛ لأن المهاجرين كانوا ـ عموما ـ من القبائل