وكأنه يخرج ليعانق غادة حسناء ، فينام على فراش تحف به المخاطر والأهوال ، أعزل من كل شيء إلا من إيمانه ، وثقته بربه ، وحرصه على سلامة القائد ، كما حدث لعلي «عليه السلام» ، حينما عرض عليه ابن عمه محمد «صلى الله عليه وآله» أمر المبيت على فراشه ؛ ليتمكن هو من الفرار ، والتخلص من مؤامرة قريش ؛ فهذا ما لم يحدث في تاريخ البطولات ، وما لم يعرف من أحد في تاريخ المغامرات ، في سبيل المبدأ والعقيدة».
ويقول : «ولم يكن مبيت عليّ ليلة الهجرة هي المرة الأولى ؛ فلقد كان أبو طالب في أيام الحصار في الشعب ينيم عليا على فراش النبي ، حتى إذا حصلت حادثة اغتيال ، كان في عليّ دون النبي ، ولم يكن ليمانع في ذلك أبدا بل كان يقدم عليه برضا نفس ، وطيبة خاطر» (١).
ونقول : إننا لا نوافق على هذا التعبير الجاف الذي يقول : «ليتمكن هو من الفرار ..» فإنه «صلى الله عليه وآله» لا يفر ، ولكنه يهاجر لجمع القوى ، ويعود ظافرا فاتحا بعد ثمان سنوات ..
المبيت ، والخلافة :
والغريب هنا : أن نجد أحد من عرف بنصبه ، وبالعداء لشيعة عليّ «عليه السلام» أو محبيه ، يضطر لأن يعترف بأن قضية مبيته «عليه السلام» على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة الهجرة ، من الإشارات الواضحة إلى خلافته ، فيقول :
«هذا الذي كان من عليّ في ليلة الهجرة ، إذا نظر إليه في مجرى الأحداث
__________________
(١) راجع : سيرة المصطفى ص ٢٥٠ و ٢٥٢.