المجاعة :
ثم هاجت الأزمة ، وهي الجوع في قريش وأهل مكة ـ وكان ذلك بدعاء النبي «صلى الله عليه وآله» الذي دعا عليهم ـ حتى أكلوا العلهز (١) ، والقد ، وحتى أحرقوا العظام فأكلوها وأكلوا الكلاب الميتة ، والجيف ، ونبشوا القبور ، وأكلت المرأة طفلها .. وحتى كان الرجل يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان ؛ فشغل ذلك الناس بأنفسهم وبمشاكلهم ، فأتيحت الفرصة للنبي «صلى الله عليه وآله» ـ ولو لفترة قصيرة ـ ليتحرك في سبيل دينه ورسالته داعيا إلى الله ، ومجاهدا في سبيله.
فلما دخلت سنة إحدى عشرة من البعثة ، جاء أبو سفيان إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال : يا محمد ، جئت بصلة الرحم ، وقومك قد هلكوا جوعا ، فادع الله لهم ، فدعا رسول الله «صلى الله عليه وآله» لهم ؛ فكشف عنهم ، يقول الله عز وجل : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ)(٢).
فإن الظاهر هو أن هذه الآية قد جاءت جوابا لقولهم : ربنا اكشف عنا
__________________
(١) العلهز : دم يابس يدق به أو بار الإبل في المجاعات ويؤكل.
(٢) الآية ١٥ من سورة الدخان ، راجع : البدء والتاريخ ج ٤ ص ١٥٧ ، وتفسير البرهان ج ٤ ص ١٦٠ عن المناقب لابن شهر آشوب.