الاستعمال في المعنى الحقيقي والمجازي معا ، وشاهدنا على ذلك صحة التورية وشيوعها في كلام العرب ، فإذا لم نجز استعمال المشترك في معنيين لم يصح كلام الحلبي حتى وإن كانت الآية قد نزلت مرتين لأن محل الكلام إنما هو في قراءتنا نحن للآية ، وكيفية فهمنا لها.
هذا عدا عن أن صهيبا لا خصوصية له في بذله ماله ، فإن كثيرا من المهاجرين قد تخلوا عن أموالهم للمشركين وهاجروا فرارا بدينهم.
وعن قضية صهيب نقول :
لقد رووا : أنه لما أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخروج إلى الغار أرسل أبا بكر مرتين أو ثلاثا إلى صهيب فوجده يصلي ، فكره أن يقطع صلاته ، وبعد أن جرى ما جرى عاد صهيب إلى بيت أبي بكر ، فسأل عن أخويه : النبي «صلى الله عليه وآله» وأبي بكر ، فأخبروه بما جرى ، فأراد الهجرة وحده ، ولكن المشركين لم يمكنوه من ذلك حتى بذل لهم ماله ؛ فلما اجتمع مع النبي في قباء قال «صلى الله عليه وآله» : ربح صهيب ربح صهيب ، أو ربح البيع ، فأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ..)(١).
وألفاظ الرواية مختلفة كما يعلم بمراجعة الدر المنثور للسيوطي وغيره .. ويكفي أن نذكر أن بعضها يذكر : أن الآية نزلت لما أخذ المشركون
__________________
(١) الآية ٢٠٢ من سورة البقرة ، الإصابة : ج ٢ في ترجمة صهيب ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣ و ٢٤ والدر المنثور ج ١ ص ٢٠٤ عن ابن سعد ، وابن أبي أسامة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الحلية ، وابن عساكر وابن جرير والطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن أبي خيثمة وفي النصوص اختلاف.