فإرادة الإنسان حرة طليقة ، ولكن الله يسدد ويلهم ويؤيد من تستهدفه تلك الإرادة بالشر والأذى.
وبعد كل ما تقدم يتضح : أنه كان لا بد للنبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، ولمن معه من المسلمين من الخروج من مكة إلى مكان أمن وسلام لا يشعرون فيه بأي ضغط ، يملكون فيه حرية الحركة ، وحرية الكلمة ، وحرية التخطيط لبناء مجتمع إسلامي يكون فيه النبي «صلى الله عليه وآله» قادرا على القيام بنشر دعوته ، وإبلاغ رسالته ، على النحو الأفضل والأكمل.
سر اختيار المدينة :
وأما عن سر اختيار النبي «صلى الله عليه وآله» ـ الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ـ للمدينة بالذات دارا لهجرته ، ومنطلقا لدعوته ، دون غيرها كالحبشة مثلا ؛ فذلك يرجع إلى عدة عوامل ، نذكر منها ما يلي :
١ ـ إن مكة كانت ـ كما قدمنا ـ تتمتع بمكانة خاصة في نفوس الناس ، وبدون السيطرة عليها ، والقضاء على نفوذها الوثني ، واستبداله بالنفوذ الإسلامي ؛ فإن الدعوة تعتبر فاشلة ، وكل الجهود تبقى بدون جدوى ؛ فإن الدعوة كانت بحاجة إلى مكة ، بنفس القدر الذي كانت مكة بحاجة فيه إلى الدعوة.
فلا بد من اختيار مكان قريب منها ، يمكن أن يمارس منه عليها رقابة ، ونوعا من الضغط السياسي والاقتصادي ، وحتى العسكري إن لزم الأمر في الوقت المناسب ، حينما لا بد له من أن يفرض سلطته عليها.
والمدينة ، هي ذلك الموقع الذي تتوفر فيه مقومات هذا الضغط ، فهي تستطيع مضايقة مكة اقتصاديا ؛ لوقوعها على طريق القوافل التجارية المكية ، وقريش تعيش على التجارة بالدرجة الأولى.