رابعا : لقد رأت قريش أخيرا : أنها قد اهتدت للطريقة التي تستطيع بواسطتها أن تقتل النبي «صلى الله عليه وآله» ، دون أن تكون مسؤولة أمام الهاشميين بشكل محدد ، أو بالأحرى دون أن يستطيع الهاشميون أن يطالبوا بدم النبي «صلى الله عليه وآله» ، وذلك بأن يقتله عشرة ، كل واحد منهم من قبيلة ، فيضيع دمه في القبائل ، ولا يستطيع الهاشميون مقاومتها جميعا ؛ لأنهم إما أن يقاتلوا القبائل كلها ، وتكون الدائرة عليهم ، وإما أن يقبلوا بالدية ، وهو الأرجح.
وإذا قتل النبي «صلى الله عليه وآله» ، فإن القضاء على غيره من أتباعه يكون أسهل وأيسر ، ولا يشكّل لقريش مشكلة ذات شأن.
بل وحتى لو تركوهم على ما هم عليه ، فإن أمرهم لسوف يصير إلى التلاشي والاضمحلال.
هكذا كانت تفكر قريش وتخطط ، وهو تفكير محكوم بالعصبية القبلية ، ولكنه ذكي جدا.
وبالإمكان تحقيق الأهداف الشريرة تجاه الرسول والرسالة من خلاله.
ولكن عناية الله سبحانه وإن كانت تشمل النبي «صلى الله عليه وآله» وترعاه ، إلا أن من الواضح : أن إقدام قريش على تنفيذ مخططاتها ـ فشلت أو نجحت ـ لسوف يعرض علاقاتها مع الهاشميين لنكسة خطيرة ، ولسوف تزيد مضاعفاتها بشكل مخيف ببقاء النبي «صلى الله عليه وآله» في مكة.
كما أن سنة الله قد جرت على أن لا يحول بين أحد وبين تنفيذ إرادته ، بشكل قهري وقسري ، إلا بنحو من العنايات والألطاف التي تشمل ذلك النبي الذي يكون حفظه ضروريا لحفظ الدين والإنسان.