نعم ، إنهم يهددونهم بالحرب ، رغم أن حربا كهذه لسوف تجر عليهم أخطارا جسيمة من وجهة نظر اقتصادية ، لأن قوافلهم إلى الشام ، محل تجارتهم المفضل ، كان طريقها على المدينة.
مما يعني : أن المشركين كانوا يرون في هذه البيعة خطورة قصوى ، تجعلهم يضطرون إلى التضحية بعلاقاتهم الحسنة مع كل من يتقبل هذه الدعوة ويناصرها ، حتى ولو كانوا أهل المدينة ، الذين كانوا يكرهون جدا أن تنشب الحرب فيما بينهم وبينهم ، كما تقدم قولهم ذلك لابن أبي.
كما أن ذلك يدلنا على مدى ما كان يتعرض له المسلمون في مكة من ظلم واضطهاد.
منازعة الأمر أهله :
قد تقدم أن من جملة ما اشترطه الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» على أهل المدينة في ضمن نص البيعة ، هو أن لا ينازعوا الأمر أهله.
وإن اشتراط ذلك في نص بيعة حساسة جدا في تاريخ الإسلام ، ويتقرر مصير الإسلام على نجاحها وعدمه ، وتعريض هذه البيعة لخطر الرفض والانفصام ، فيما لو رفضوا الالتزام بذلك ـ كما كان الحال بالنسبة لبني عامر ، حسبما تقدم ـ إن ذلك لمما يدل على أن هذا الأمر كان له أهمية قصوى بالنسبة للرسول «صلى الله عليه وآله» الذي كان رأيه يمثل رأي الإسلام الواقعي.
ويوضح أنه لن يتنازل عنه ولو تعرض لأعظم الأخطار ، مما يعني : أن هذا الأمر ليس له ، وإنما هو لله يضعه حيث يشاء ، وأن هذا هو الأمر الذي إذا لم يبلّغه فما بلغ رسالة ربه سبحانه وتعالى.