سبحانه ، ولا تنطلق في موقفها ذاك من قاعدة إيمانية قوية ، وقناعة عقائدية راسخة ، ولا طمعا بثواب الله ، ولا خوفا من عقابه.
وإنما تنطلق في ذلك من نظرة ضيقة ، مصلحية تجارية بالدرجة الأولى ، وتريد من نصرها له أن تأكل به العرب ، وتحصل على المجد والسلطان.
ومن الواضح ـ بناء على هذا ـ أن نصرها له لسوف ينتهي عندما تجد : أن مصلحتها قد انتهت ، وحصلت على كل ما تريد ، أو حينما ترى : أن تجارتها الدنيوية قد خسرت ، بل لربما تنقلب عليه إذا رأت فيه عائقا يمنعها من تحقيق أهدافها ، أو الاحتفاظ بالامتيازات الظالمة التي تفرضها لنفسها.
وهكذا يتضح : أن الاعتماد على من يفكر بعقلية كهذه ، ويتعامل من منطلق كهذا ليس إلا اعتمادا على سراب ، إن لم يجر على من يعتمد عليه البلاء والعذاب.
٣ ـ الدين والسياسة :
وقد لاحظ بعض المحققين هنا : أن هذا العربي ، وهو من بني عامر بن صعصعة ، لما أخبروه بما يدعو إليه النبي «صلى الله عليه وآله» ، ونقلوا إليه ما جرى لهم معه قد أدرك : أن هذا الدين ليس مجرد ترهب في الصوامع ، وصلاة ، ودعاء ، وأوراد ، وأذكار ، بل هو دين يشتمل على التدبير والسياسة ، والحكم ، ولأجل هذا قال : «لو أني أخذت هذا الفتى (يعني محمدا بما له من الدعوة الشاملة) لأكلت به العرب».
ولقد سبقه إلى إدراك هذه الحقيقة شيخ الأنصار أسعد بن زرارة ، لما قدم إلى مكة ، وعرض عليه النبي «صلى الله عليه وآله» ما يدعو إليه ، فرأى : أن فيه وفي دعوته ما يصلح مجتمعه ، ويعالج مشاكلهم المستعصية بينهم