كما أن ذلك يهيئ للنبي «صلى الله عليه وآله» الفرصة لعرض دعوته على القوافل التي تتجه من بلاد الشام والأردن وفلسطين وغيرها إلى مكة ، والتمهيد لإفشال كثير من الدعايات التي يمكن للمكيين أن يطلقوها ضد الإسلام وأهله.
وقد تقدم قول المشركين لعبد الله بن أبي ، حين بيعة العقبة : «ما من حي أبغض من أن تنشب الحرب بيننا وبينه منكم».
وتقدم أيضا : أنهم لما أخذوا سعد بن عبادة بعد بيعة العقبة وعذبوه ، جاء الحارث بن حرب وجبير بن مطعم وخلصاه ، لأنه كان يجير لهما تجارتهما.
وإذا كانت قريش قد لقيت من أبي ذر ما لقيت ، حين أخذ عليها طريق تجارتها ، فإن ما سوف تلقاه من أهل المدينة سيكون أشد ، وأعظم خطرا ، وأبعد أثرا ، ولا سيما إذا عقد الرسول «صلى الله عليه وآله» تحالفات مع سائر القبائل المقيمة في المنطقة ، كما حصل بالفعل ، وكانت المعاهدة بصورة تجعلهم مضطرين لقطع علاقاتهم بالمشركين (١).
٢ ـ لقد عرفنا مما تقدم : أن الهجرة إلى المدينة هي الحل المفروض ، الذي لا خيار معه ؛ وذلك لأن الهجرة إلى الطائف لم تكن بالتي تجدي نفعا ، بعد أن رأينا : أن أهلها رفضوا الاستجابة إلى النبي «صلى الله عليه وآله» حينما هاجر إليهم ، لأنهم يرون : أن مكة هي التي تستطيع أن تضايقهم اقتصاديا ،
__________________
(١) راجع : وثيقة المدينة الآتية في الجزء التالي من هذا الكتاب ؛ آخر فصل : أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة. فقد جاء فيها ما يلي : «وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ، ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن». وراجع : نشأة الدولة الإسلامية : ص ٢٨٩ ـ ٢٩٥.