وهم إليها أحوج منها إليهم.
ولأجل ذلك فإنهم لا يستطيعون في المستقبل المنظور على الأقل إلا أن يدوروا سياسيا في فلكها ، وأن يخضعوا لسيطرتها.
وأما سائر قبائل العرب ؛ فلا يجدون في أنفسهم القدرة على ذلك ، وقد جرب أن يعرف مدى استعدادهم لقبول دعوته ، والدفاع عنها ؛ فوجد ما لا ينقع غلة ، ولا يبل صدى ، إن لم نقل إنه وجد ما يزيد الطين بلة ، والأمر خطورة.
وأما اليمن ، وفارس ، والروم ، وبلاد الشام وغيرها ؛ فقد كانت خاضعة لسلطة الدولتين العظميين ، اللتين لن يكون نصيب الرسول والرسالة منهما سوى المتاعب والأخطار الجسيمة.
وقد تكلمنا عن شيء من ذلك عند الحديث عن عوامل انتصار الإسلام وانتشاره في أواخر الباب الأول من هذا الكتاب.
ولسوف نرى أن كسرى قد حاول أن يقوم بعملية خطيرة تجاه الرسول ورسالته حينما أرسل إليه «صلى الله عليه وآله» يدعوه إلى الإسلام.
وأما الحبشة فهي بحكم موقعها الجغرافي مفصولة عن مكة ، كما أنها بحكم واقعها الاجتماعي ، والسياسي ، والبشري ، والعنصري ، وبحكم كونها بلدا أفريقيا ، فإنها ليست بلدا قادرا على أن يقود عملية التغيير العالمية الشاملة ، لا اقتصاديا ، ولا سياسيا ، ولا عسكريا ، ولا حتى فكريا ، واجتماعيا.
أضف إلى ذلك : أن مهاجمة مكة بجيش من الحبشة لسوف يدفع العرب كافة إلى الوقوف إلى جانب قريش ضده ، بخلاف ما لو كانت عملية التغيير منطلقة من الداخل حينما يؤمن بدعوته الفقراء ، والمستضعفون ،