ويواجه هؤلاء الملأ والمستكبرين من قومهم بالذات.
وهكذا يتضح : أنه ليس ثمة إلا المدينة ، والمدينة فقط ، موقعا مناسبا للهجرة فكانت الهجرة إليها.
٣ ـ ومن الجهة الأخرى ، فإن المدينة كانت أغنى من مكة زراعيا ، أي أنها لو فرض عليها أن تتعرض لضغط تجاري من نوع ما ـ مع أنه ليس باستطاعة مكة أن تفعل شيئا من ذلك ـ فإنها تستطيع أن تقاوم هذا الضغط ، وتحتفظ لنفسها بنوع من الحياة ، ولو بصعوبة ما ، من دون أن تستسلم لإرادة الآخرين ، وتنساق وراء رغباتهم ، كما كان الحال بالنسبة لغيرها.
هذا عدا عن أن الدعوة التي تحتاج إلى نشاط واسع ، وجهد شامل ، لأنها تريد أن تقود عملية التغيير الشامل على مستوى عالمي ـ هذه الدعوة ـ تحتاج إلى استقرار اقتصادي داخلي ، يستطيع أن يوفر الفرصة لحملة هذه الرسالة للحركة في سبيل نشر دينهم ، وبث رسالتهم.
٤ ـ وإذا كان الحج من أهم تشريعات الإسلام ؛ فما دامت مكة في أيدي الوثنيين ؛ فإنه سوف يفقد أثره وفعاليته في مجال التربية السياسية ، والاجتماعية ، وفي غير ذلك من مجالات ، وأيضا ، فما دامت مكة في أيدي الوثنيين ، فلسوف يبقى لهم نفوذ واسع في القبائل العربية ، وقدسية من نوع ما في نفوسهم.
فلا بد إذا من إخراجها من أيديهم ؛ لينتهي ما لهم من رصيد معنوي في نفوس الناس ، ولتنفتح القلوب بكل ما لديها على الدين الجديد ، وليتمكن المسلم من أن يؤدي إحدى أعظم شعائره ـ الحج ـ بحرية تامة ، دونما رادع أو زاجر.