ويدل على ذلك ، ما يرويه الطبراني وغيره : أنه لما عرض النبي الإسلام على ذي الجوشن الضبابي ، أبى أن يدخل فيه إلا أن يرى النبي «صلى الله عليه وآله» قد غلب على الكعبة.
وفي رواية أخرى ، أنه قال له : «رأيت قومك قد كذبوك ، وأخرجوك ، وقاتلوك ، فانظر ماذا تصنع ؛ فإن ظهرت عليهم آمنت بك ، واتبعتك ، وإن ظهروا عليك لم أتبعك» (١).
وبعد هذا ، فإن أقرب المواقع إلى مكة هو المدينة ، وهي التي تملك إلى جانب قوتها الاقتصادية كثافة سكانية جيدة ، تستطيع أن تقوم بالمهمة التي توكل إليها تجاه مكة على أكمل وجه ، ولا توجد هذه الميزة في أي من المناطق القريبة إلى مكة.
ونلاحظ : أن إيجاب الهجرة على من يسلم ، قد جعل المدينة ـ بعد هجرة الرسول «صلى الله عليه وآله» إليها ـ في حالة نمو سكاني مستمر ، يؤهلها لتحمل مسؤولية بناء دولة ، وحماية منجزاتها على المدى المنظور.
٥ ـ إن أهل المدينة كانوا في الأصل من مهاجري اليمن ، التي كانت تمتلك شيئا من الحضارة البدائية في قديم الزمان ، فهم ليسوا أعرابا ؛ لتكون قلوبهم ممعنة في القسوة.
ولا كان ثمة زعامات ومصالح خطيرة لهم في المنطقة ، كما كان الحال بالنسبة لقريش ، ولا كانوا يعيشون في تلك الأجواء النفسية المعينة ، كما
__________________
(١) مجمع الزوائد ج ٦ ص ٦٨ ، وقال : «رواه عبد الله بن أحمد ، وأبوه ، ولم يسق المتن ، والطبراني ورجالهما رجال الصحيح ، وروى أبو داود بعضه» انتهى.