كانت تعيش قريش ؛ نتيجة لموقعها النسبي في العدنانية ، ولموقعها في زعامة مكة ، وحجابة البيت.
ثم هناك التنافس الظاهر بين العدنانية والقحطانية ، حيث لا يسع القحطانيين ، حتى ولو لم تكن ثمة دوافع دينية وعقيدية : أن يسلّموا النبي «صلى الله عليه وآله» إلى أعدائه.
ويشهد لهذا : أننا نجد بقايا هذا التنافي حتى إلى ما بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فنجد أن عمر بن الخطاب قد فضل العدنانية على القحطانية في العطاء ، الأمر الذي مهد السبيل أمام الأمويين لاستغلال هذه الروح وإشعال الفتن بين اليمانية والقيسية ، إبان حكمهم البغيض.
بينما نجد أمير المؤمنين «عليه السلام» لم يكن يرى لبني إسماعيل على بني إسحاق فضلا. (ولهذا البحث مجال آخر).
٦ ـ ثم إن أهل المدينة قد ذاقوا مرارة الانحراف كأشد ما يكون ، وقد أنهكتهم الحروب وأكلتهم ، ويعيشون في رعب دائم وخوف مستمر ، حتى إنهم ما كانوا يضعون السلاح لا في الليل ولا بالنهار (١).
وتقدم : أن الخزرج ذهبوا إلى مكة يطلبون الحلف من القرشيين فلم تلب قريش طلبهم.
وكانوا يتمنون من كل قلوبهم : أن يجدوا مخرجا من المأزق الذي يرون أنفسهم فيه ، حتى إن أسعد بن زرارة لا يخفي لهفته على هذا الأمر ؛ حيث قال للنبي «صلى الله عليه وآله» حينما دعاه إلى الإسلام : «إنا من أهل يثرب
__________________
(١) البحار : ج ١٩ ص ٨ و ٩ و ١٠ ، وأعلام الورى : ص ٥٥.