فإذا كانت علاقته بماله ، أو بأبيه ، أو بولده سوف تفصله عن هدفه ، أو تفرض عليه موقفا يتناقض معه ، أو يعيق عن الوصول إليه ، فلا بد من رفض تلك العلاقة وتدميرها ؛ لأن الإبقاء عليها إنما يعني تدمير الإنسانية ، والخروج عنها إلى ما هو أحط من الحيوان.
وهذا هو ما أشار إليه تعالى في قوله عمن اتخذ إلهه هواه (١) : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)(٢).
إذا ، فلا جامع ولا قدر مشترك بين الإنسان المسلم الذي يعتبر نفسه إنسانا ، بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، ويتصرف على هذا الأساس ؛ وبين غيره ممن رضي لنفسه أن يكون أضل من الأنعام ، ويتصرف على هذا الأساس ، ومجرد وجود علاقة نسبية بينهما لا يبرر تخلي هذا عن إنسانيته في سبيل إرضاء ذاك.
وأما إذا كانت مواقف ذلك الإنسان المنحرف وتصرفاته تساهم في تدمير الإنسانية أينما كانت ، وحيثما وجدت ، والقضاء على خصائصها ومنجزاتها ، سواء على صعيد الفرد أو المجتمع ، أو حتى الأجيال القادمة.
فإن من الطبيعي أن نرى ذلك الولد الإنسان : يهتم بالقضاء على هذا الوالد ، ويعمل في هذا السبيل بصدق ، وبجدية ، وإلا فإنه سيتضح لنا : أن إنسانيته لم تكتمل بعد ، أو على الأقل : إن وعيه الإنساني يحتاج إلى تعميق وتركيز. كما أن العاطفة التي تعتبر الوقود الذي يفجر طاقات الإنسان في
__________________
(١) راجع بحث العصمة في فصل بحوث تسبق السيرة بعد غزوة بدر.
(٢) الآية ٤٤ من سورة الفرقان.