الأحزاب ولم يكن ثمة ما يوجب الخوف إلى هذه الدرجة؟
الثالث : إننا لا نوافق أن من حقهم أن يقولوا ذلك ، حتى لو كان القائلون هم المؤمنون ، وذلك لأنهم قد رأوا من الآيات والخوارق والكرامات للنبي «صلى الله عليه وآله» وهم يحفرون الخندق الشيء الكثير. فكان من المفروض فيهم أن يتيقنوا بنصر الله سبحانه لهم ، وبصدق ما أخبر به نبيهم الأكرم «صلى الله عليه وآله».
ولكن لم تكن تلك الكرامات تقتصر على مجرد التصور العقلي لهم. بل كانت تتعدى ذلك لتكون ممارسة حسية لكل فرد منهم ، كما كان الحال بالنسبة لإطعام أهل الخندق جميعا من وليمة جابر.
الرابع : إن مراجعة الآيات القرآنية تعطينا : أن الذين زاغت أبصارهم وبلغت قلوبهم حناجرهم ، وظنوا بالله الظنون هم غير المؤمنين الذين كانوا ثابتين في حصون الإيمان. لكن هؤلاء المؤمنين قد تأثروا من حالة إخوانهم ، فوقعوا في البلاء والزلزال ، فقد قال تعالى مخاطبا المسلمين :
(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً)(١).
فترى أنه تعالى قد تحدث عن المؤمنين بطريقة الحديث عن الغائبين ، مع أنه لو كان المراد جميع المسلمين لكان السياق يقتضي أن يقول : «هنالك ابتليتم وزلزلتم».
__________________
(١) الآيتان ١٠ و ١١ من سورة الأحزاب.