أضف إلى ما تقدم : أنه لو كان الأمر كذلك لم يقل : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ) بل كان عليه أن يقول : وابتليتم. فكلمة «هنالك» تشير إلى أن الابتلاء للمؤمنين قد حصل حينما ظننتم بالله الظنون ، وبلغت قلوبكم حناجركم.
على أن من الواضح : أن ظن الظنون بالله لا ينسجم مع الإيمان بل هو ينافيه. وقد تحدث تعالى عن المؤمنين فذكر أنهم لم يظنوا الظنون هنا ، بل زاد إيمانهم عمقا ورسوخا.
فقال تعالى : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(١).
بقي أن نشير هنا : إلى أن المراد بابتلاء المؤمنين هو أن مسؤولياتهم أصبحت أكبر وأخطر من ذي قبل ، وأصبحت كل المصائب والآلام الناتجة عن هذا الحصار ، من انهزام المسلمين روحيا ، والخوف على الذراري والنساء ، وما صاحب ذلك من تحمل مشقات وجهد وسهر ـ إن ذلك كله ـ قد انصب على رؤوس ثلة قليلة مجاهدة صابرة ، قد لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين أو حتى اليد الواحدة.
إذ إن من الغني عن البيان : أن تحقيق وعد الله ورسوله لهم بالنصر ، لا يعني أن لا يتحملوا المشقات والمصاعب والآلام الكبيرة وأن لا يبتليهم بالمواجهات الخطيرة ، التي تصل إلى درجة الاستشهاد بالنسبة إلى بعض
__________________
(١) الآيتان ٢٢ و ٢٣ من سورة الأحزاب.