يرون في الطبري المثل الأعلى لهم ، وهم ينقلون عنه ويعتمدون عليه ، ولعله هو بالإضافة إلى سيرة ابن هشام ، يأتي على رأس القائمة في أي مراجعة للسيرة ، أو تسجيل أي حدث ، أو موقف منها.
كما أننا لا نستبعد : أن تكون هذه هي القضية الصحيحة ، لا قضية عائشة مع أم سعد.
ثم إننا لا ننسى أن نسجل هنا تساؤلا يبقى حائرا ، وهو أنه كيف سوّغت عائشة لنفسها أن تخرج من الحصن الذي وضعها النبي «صلى الله عليه وآله» فيه ، مع خطورة الموقف وحساسيته المتناهية ، ومع عدم إذن النبي «صلى الله عليه وآله» لها بذلك ، إذ لو كانت مأذونة منه «صلى الله عليه وآله» لاحتجت به على عمر ، ولم تصبر على هذا التقريع المر الذي واجهها به ، حتى إنها لتود أن تنشق لها الأرض ، فتدخل فيها.
ولعل مما يؤيد فرار الكثيرين يوم الخندق : ما سيأتي في حديث حذيفة حينما أرسله النبي «صلى الله عليه وآله» لكشف خبر قريش ، حيث ذكر أنه لم يبق مع النبي سوى اثني عشر رجلا فقط (١).
والرواية الأخرى تقول : إن الناس تفرقوا ولم يبق من العسكر غير ثلاثة مئة (٢).
__________________
(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣١ وتلخيصه للذهبي بهامشه وصححاه ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٥٠ و ٤٥١ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٤٩ و ٢٥٠.
(٢) سيأتي ذلك في الفصل الأخير من هذا الباب.