جيوش قيصر ، وربما بأسره ، وإسلام البلاد التي يحكمها أو كان له نفوذ فيها .. ولعل هذا النصر كان سيتحقق بعد استشهاد القادة بيسر ، ولكن الفرار قلب الأمور ، فوقع المحذور.
ولذلك لم يتمكن الفارون من تقديم أي عذر أو تأويل ، بل ربما كانوا خائفين من وصول الأمور إلى حد اتخاذ القرار بقتلهم.
ولذلك لم يتساهل أهل المدينة معهم ، بل حثوا التراب في وجوههم وطردوهم ، ولم يفتحوا لهم أبواب بيوتهم ، كما أن النبي الكريم ، والرؤوف الرحيم بالمؤمنين لم يعترض على أحد من أهل المدينة فيما يفعل ، ولم يردعهم عن شيء من تصرفاتهم التي تدخل في سياق الإهانة والتحقير لهذا الجيش ..
وقد قلنا آنفا : أن الفرار من جيش يفوق عدده عدد جيش المسلمين بعشرات الأضعاف ليس جرما ولا حراما ..
وهذا يدلنا : على أن القضية لم تكن قضية فرار وحسب ، وإنما هي أدهى وأكبر ، وأعظم ، وأمر وأخطر ، لأنها قضية تضييع أعظم نصر عرفه تاريخ البشرية.
واقتصر الأمر على مجرد تراجع جيش الروم عن تصميمه بمهاجمة المسلمين في عمق بلادهم ، وفي عقر دارهم ، في المدينة نفسها ..
إذ إننا نرى : أن هرقل بعد أن انتصر على كسرى ، طمع بالإستيلاء على الحجاز ليؤكد شوكته ، وليعزز سلطانه ..
فجاء بالجيوش بحجة المشي إلى بيت المقدس وفاء بنذره ، فبادر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لمباغتته بخطة تبطل كيده ، وتمزق جنده ، فضيع ذلك خالد بهزيمته النكراء تلك. وإلا فكيف نفسر وجود هذه الجيوش