التفاتهم إلى أن موسى «عليهالسلام» لا تلقى عليه أسورة الذهب ، ولا تأتي معه الملائكة ، قد جعلهم يتخيلون أن السعادة ، واللذة والحياة ستكون في جانب فرعون ، وأن البؤس والسغب والحرمان سيكون في الجانب الآخر ، فيستثير ذلك غرائزهم ، ويدفع أهواءهم ، للإندماج والانغماس ، في هذا الواقع الزاخر بالشهوات .. ويدفعهم ذلك إلى أن ينأوا بأنفسهم عن الاستجابة لدعوات الحق ، ويزيد من نفورهم منه ، وابتعادهم عنه.
وأما عقولهم ، فلا يكون لها دور ، ولا يسمع لها رأي ، لأنهم يشعرون أن عقولهم تدعوهم للتخلي على اللذة الحاضرة منهم ، من دون عوض حاضر تقدمه إليهم.
وهذا بالذات هو ما جرى لأبي هريرة ، فإنه حين رأى الديباج والحرير ، والذهب ، والعدة والعدد ، والعتاد والسلاح ، استيقظت غرائزه ، واشرأبت أعناق الشهوات وحب الدنيا في نفسه ، لتغرق في هذا الذهب ، وذلك الحرير ، وتعيش الركون إلى العدة والعدد ، والسلاح .. وغاب العقل عن مسرح القرار ، وخف ميزانه ، وضعفت قدرته على التأثير في نفس هيمنت عليها الغرائز ، وتملكها حب الدنيا ، وركنت وانشدت إليها ..
وربما يذكّره ثابت بن أقرم بالمعادلة الصحيحة ، وهي : أن النصر ليس للكثرة ، وأن بدرا هي خير شاهد ودليل على ذلك ..
فسكت أبو هريرة ، ولم يجرؤ على إظهار حقيقة ما يعتلج في نفسه ، ولم يكن لديه حيلة ، ولا وسيلة ، إلا هذا السكوت الساتر لما في الضمائر ..