جاؤوا معه للجهاد درسا في الشمم والفداء ، ومعنى الشجاعة ، وسر الإباء ، ولكنه درس كلماته الأفعال ، وحروفه التضحيات ، واللسان الناطق به هو إيمان شامخ ، ورأي باذخ ، ويقين راسخ.
أما جيوش الروم فوجدت نفسها أمام التحدي الكبير ، فواجهت اندفاع جعفر للتضحية والفداء ، باندفاع غرائزي فيها ، يهدف إلى التنفيس عن حقد دفين ، وعن لؤم مشين وخزي وابتذال مهين ، ولاذت بأسلحتها الفتاكة ، وانهمرت على جعفر بطعناتها وضرباتها .. فقطعت يده اليمنى ، ثم اليسرى .. وذلك حين وجدوا أنفسهم أمام حرب لا تخمد نارها إلا بإسقاط راية القائد ، الذي لن يدعها تسقط ما دام حيا ..
لقد آثر جعفر التخلص من الفرس ، لأنه يريد أن يفهم عدوه مدى تصميمه في حربهم ، ومدى تفانيه في الأهداف التي يحارب من أجلها ..
وأن قادة الجيوش الإسلامية لا يريدون الإحتماء بالأبطال ، ولا يريدون أن يموت الناس في الدفاع عنهم ، بل هم الذين يريدون أن يموتوا قبل الناس ، من أجل حفظ دين الناس ، وحفظ أرواحهم وراحتهم ..
وليست القضية مجرد خطب حماسية ، وشعارات رنانة ، بل هي مبادرة ، واستعداد ، وبذل وتضحية وجهاد ، يرونه رأي العين ..
بل إن هذا القائد لا يريد أن يهرب من الموت ، ولا أن يحمي نفسه منه ، فإنه يراه خيرا وصلاحا ، وسعادة ، ونجاحا ، وفوزا وفلاحا. إنه يريد أن لا تفصله عنه حتى عدوة فرس ، فآثر التخلص منه ، فعقره ..