ثم نناقش في ذلك : بأن هذا ليس من التبذير ولا الإهدار ، بل هو مال تحفظ به النفوس ، وتصان به الأرواح. وإن لم تسخ به نفس سعد بن عبادة ، ولم يف بذمة ولده ، فلا شك في أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» نفسه هو الذي سيتولى هذا الوفاء ، ولو من بيت مال المسلمين.
وسيكون «صلىاللهعليهوآله» شاكرا لقيس ، مغتبطا بما صنع ، لأنه حفظ جيش المسلمين من الضياع ، وإبعاد الأذى والمتاعب عنه ، حتى لو كانت في أدنى حالاتها أمر محبوب ومطلوب لله تعالى ، ولرسوله ، ولكل عاقل أريب ..
وقد كنا نتوقع أن يبادر عمر نفسه ، أو أمير السرية والمسؤول عن حفظها ـ وهو أبو عبيدة ـ إلى نفس ما فعله قيس. ولكن الأمور سارت على عكس ما توقعناه ، فهما لم يفعلا شيئا ، كما أنهما قد اتفقا على منع غيرهما من فعل أي شيء من ذلك.
وقد زاد الطين بلة ، أن عمر بن الخطاب أبى أن يشهد ليس فقط لم يشهد على صفقة قيس مع ذلك الأعرابي على الجزائر التي أخذها ليطعم الجيش ، وإنما هو لم يشهد حتى على الكتاب الذي كتبه سعد لولده بالحوائط الأربع ، مكافأة له على ما فعل حسبما تقدم.
فهل كان ذلك من حسد اعترى هذا ، أو ذاك ، أو كليهما؟ أم كان قصر نظر ، وعجز عن إدراك هذا الأمر الظاهر البداهة؟ أم أنهم لا يريدون لقيس المعروف بولائه لعلي «عليهالسلام» أن يذكر بفضيلة أو مكرمة؟
لا ندري ولعل الفطن الذكي يدري.