حين تنقطع السبل بالإنسان ، ويواجه الخطر الأعظم في لحظة الموت الرهيب ، تضعف عزيمته ، وتتبلبل أفكاره ، ويضطرب في قراراته ، ويضيع في زحمة المشاعر والأفكار التي تظهر عليها عوارض التناقض والإختلاف.
ولكن هناك رجال مؤمنون ، وأصفياء متقون ، لا يفقدون السيطرة على أنفسهم ، حتى في هذه اللحظات ، بل إن منهم من يجد في هذه اللحظات ما يؤكد يقينه ، ويزيد من وضوح الصورة لديه ، فيزيده ذلك رضا ، قد يصل به إلى حد البهجة والسرور ، على قاعدة : «فزت ورب الكعبة» ، حيث يأنس بالموت كما يأنس الطفل بثدي أمه ، ويراه أحلى من العسل ، لأنه يشاهد ما أعده الله تعالى له ، انطلاقا من حقيقة : «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا» ، وعلى هذا الأساس جاء قول جعفر :
يا حبذا الجنة واقترابها |
|
طيبة وباردا شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها |
|
كافرة بعيدة أنسابها |
علي إذ لا قيتها ضرابها (١) |
فقد عبر «سلام الله عليه» في أبياته هذه عن تلهفه للجنة ، واشتياقه البالغ لها ..
__________________
(١) راجع : النص والإجتهاد ص ٢٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٨٣٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٧٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١٣ ص ٥٢٠ وتهذيب الكمال ج ٣ ص ١٢٤ وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ١٥٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٤٦١ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ١٥٠.