وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ) (١).
ولا دعاء في هذه الفقرة التي يحكيها القرآن الكريم عن لسان هذا العبد الصالح المبتلىٰ ، ولكنّ الله تعالىٰ يقول : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ) وكأنَّ عرض الحاجة والفقر نحوٌ من الدعاء.
٢ ـ والعبد الصالح ذو النون يعرض فقره وحاجته وظلمه لنفسه علىٰ الله تعالىٰ ، وهو في ظلمات بطن الحوت في البحر : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) (٢).
والاستجابة كذلك ليست للطلب وإنّما للحاجة والفقر ، فلم يزد العبد الصالح ذو النون عليهالسلام علىٰ هذه الكلمة ( سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فاستجاب الله تعالیٰ له ، ونجّاه من الغم ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ).
٣ ـ ونلتقي في القرآن بكلمة كليم الله موسىٰ بن عمران وأخيه هارون ، عندما دعاهما الله تعالىٰ ليحملا رسالته إلىٰ فرعون ( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ ) (٣) ، فلم يطلبا من الله تعالىٰ أن يحميهما من فرعون وجلاوزته ، ويوفّر لهما الأمن الذي يحتاجانه. وإنّما ذكرا لله ضعفهما وخوفهما من بطش فرعون ، وقوّة فرعون وبطشه ( إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ ) ، فاستجاب الله لحاجتهما إلىٰ الحماية والدعم والتأييد ( قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ ) (٤).
٤ ـ والنموذج الرابع كلمة العبد الصالح نوح عليهالسلام ، عندما عرض علىٰ الله
__________________
(١) الانبياء : ٨٣ ـ ٨٤.
(٢) الانبياء : ٨٧ ـ ٨٨.
(٣) طه : ٤٣ ـ ٤٥.
(٤) طه : ٤٦.