معان لا تحتمل غيرها أو تحتمله احتمالا ضعيفا غير معتدّ به ، وذلك كقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورة : ١١] ـ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣] ـ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ـ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥] ـ وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤٠]. وباتّضاح معانيها بحيث تتناولها أفهام معظم المخاطبين بها وتتأهّل لفهمها فهي أصل القرآن المرجوع إليه في حمل معاني غيرها عليها للبيان أو التفريع.
والمتشابهات مقابل المحكمات ، فهي التي دلّت على معان تشابهت في أن يكون كلّ منها هو المراد. ومعنى تشابهها : أنّها تشابهت في صحة القصد إليها ، أي لم يكن بعضها أرجح من بعض. أو يكون معناها صادقا بصور كثيرة متناقضة أو غير مناسبة لأن تكون مرادا ، فلا يتبيّن الغرض منها ، فهذا وجه تفسير الآية فيما أرى.
وقد اختلف علماء الإسلام في تعيين المقصود من المحكمات والمتشابهات على أقوال : مرجعها إلى تعيين مقدار الوضوح والخفاء ، فعن ابن عباس : أنّ المحكم ما لا تختلف فيه الشرائع كتوحيد الله تعالى ، وتحريم الفواحش ، وذلك ما تضمنته الآيات الثلاث من أواخر سورة الأنعام [١٥١] : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) والآيات من سورة الإسراء [٢٣] : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ، وأن المتشابه المجملات التي لم تبيّن كحروف أوائل السور.
وعن ابن مسعود ، وابن عباس أيضا : أنّ المحكم ما لم ينسخ والمتشابه المنسوخ وهذا بعيد عن أن يكون مرادا هنا لعدم مناسبته للوصفين ولا لبقية الآية.
وعن الأصم : المحكم ما اتّضح دليله ، والمتشابه ما يحتاج إلى التدبّر ، وذلك كقوله تعالى : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) [الزخرف : ١١] فأولها محكم وآخرها متشابه.
وللجمهور مذهبان : أولهما أنّ المحكم ما اتّضحت دلالته ، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه ، ونسب هذا القول لمالك ، في رواية أشهب ، من جامع العتبيّة ، ونسبه الخفاجي إلى الحنفية وإليه مال الشاطبي في الموافقات.
وثانيهما أنّ المحكم الواضح الدلالة ، والمتشابه الخفيها ، وإليه مال الفخر : فالنص والظاهر هنا المحكم ، لاتّضاح دلالتهما ، وإن كان أحدهما أي الظاهر يتطرّقه احتمال