لحق من دين أو شريعة أو رعي حقوق المخلوقات معه فإذا استشعر ذلك لم يعبأ في تصرفاته برعي صلاح وتجنب فساد وضر وإنما يتبع ما تحدوه إليه شهوته وإرضاء هواه ، وحسبك أن فرعون كان يجعل نفسه إلها وأنه ابن الشمس.
فليس من العلو المذموم رجحان أحد في أمر من الأمور لأنه جدير بالرجحان فيه جريا على سبب رجحان عقلي كرجحان العالم على الجاهل والصالح على الطالح والذكي على الغبي ، أو سبب رجحان عادي ويشمل القانوني وهو كل رجحان لا يستقيم نظام الجماعات إلا بمراعاته كرجحان أمير الجيش على جنوده ورجحان القاضي على المتخاصمين.
وأعدل الرجحان ما كان من قبل الدين والشريعة كرجحان المؤمن على الكافر ، والتقي على الفاسق ، قال تعالى (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [الحديد : ١٠] ويترجح في كل عمل أهل الخبرة به والإجادة فيه وفيما وراء ذلك فالأصل المساواة.
وفرعون هذا هو (رعمسيس) الثاني وهو الملك الثالث من ملوك العائلة التاسعة عشرة في اصطلاح المؤرخين للفراعنة ، وكان فاتحا كبيرا شديد السطوة وهو الذي ولد موسىعليهالسلام في زمانه على التحقيق.
و (الْأَرْضِ) : هي أرض مصر ، فالتعريف فيها للعهد لأن ذكر فرعون يجعلها معهودة عند السامع لأن فرعون اسم ملك مصر. ويجوز أن تجعل المراد بالأرض جميع الأرض يعني المشهور المعروف منها ، فإطلاق الأرض كإطلاق الاستغراق العرفي فقد كان ملك فرعون (رعمسيس) الثاني ممتدا من بلاد الهند من حدود نهر (الكنك) في الهند إلى نهر (الطونة) في أوروبا ، فالمعنى أرض مملكته ، وكان علوه أقوى من علو ملوك الأرض وسادة الأقوام.
والشيع : جمع شيعة. والشيعة : الجماعة التي تشايع غيرها على ما يريد ، أي تتابعه وتطيعه وتنصره كما قال تعالى (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص : ١٥] ، وأطلق على الفرقة من الناس على سبيل التوسع بعلاقة الإطلاق عن التقييد قال تعالى (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم : ٣٢].
ومن البلاغة اختياره هنا ليدل على أنه جعل أهل بلاد القبط فرقا ذات نزعات تتشيع