(أَصْبَحَ) مستعمل في معنى (صار) فاقتضى تحولا من حالة إلى حالة أخرى ، أي كان فؤادها غير فارغ فأصبح فارغا.
والفؤاد مستعمل في معنى العقل واللب.
والفراغ مجازي. ومعنى فراغ العقل من أمر أنه مجاز عن عدم احتواء العقل على ذلك الأمر احتواء مجازيا ، أي عدم جولان معنى ذلك الأمر في العقل ، أي ترك التفكير فيه.
وإذ لم يذكر أن فؤاد أم موسى لما ذا أصبح فارغا احتملت الآية معاني ترجع إلى محتملات متعلق الفراغ ما هو. فاختلف المفسرون في ذلك قديما ، ومرجع أقوالهم إلى ناحيتين: ناحية تؤذن بثبات أم موسى ورباطة جاشها ، وناحية تؤذن بتطرق الضعف والشك إلى نفسها.
فأما ما يرجع إلى الناحية الأولى فهو أنه فارغ من الخوف والحزن فأصبحت واثقة بحسن عاقبته تبعا لما ألهمها من أن لا تخاف ولا تحزن فيرجع إلى الثناء عليها. وهذا أسعد بقوله تعالى بعد (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لأن ذلك الربط من توابع ما ألهمها الله من أن لا تخاف ولا تحزن.
فالمعنى : أنها لما ألقته في اليم كما ألهمها الله زال عنها ما كانت تخافه عليه من الظهور عليه عندها وقتله لأنها لما تمكنت من إلقائه في اليم ولم يشعر بها أحد قد علمت أنه نجا. وهذا المحمل يساعده أيضا ما شاع من قولهم : فلان خلي البال : إذا كان لا هم بقلبه. وهو تفسير أبي عبيدة والأخفش والكسائي وهذا أحسن ما فسرت به وهو من معنى الثناء عليها بثباتها. وعن ابن عباس من طرق شتى أنه قال : فارغا من كل شيء إلا ذكر موسى. وفي هذا شيء من رباطة جاشها إذ فرغ لبها من كل خاطر يخطر في شأن موسى.
وأما زيادة ما أداه الاستثناء بقوله : إلا ذكر موسى ، فلعله انتزعه من قوله (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) وإلا فليس في الآية ما يؤذن بذلك الاستثناء. وهذا التفسير يقتضي الجمع بين الثناء عليها بحسن ثقتها بالله والإشارة إلى ضعف الأمومة بالتشوق إلى ولدها وإن كانت عالمة بأنه يتقلب في أحوال صالحة به وبها.
وأما الأقوال الراجعة إلى الناحية الثانية فقال ابن عطية والقرطبي عن ابن القاسم عن مالك : الفراغ هو ذهاب العقل. قال ابن عطية : هو كقوله تعالى (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) [إبراهيم : ٤٣] أي لا عقول فيها. وفي «الكشاف» : أي لما سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها