لما دهمها من فرط الجزع. وقال ابن زيد والحسن وابن إسحاق : أصبح فارغا من تذكر الوعد الذي وعدها الله إذ خامرها خاطر شيطاني فقالت في نفسها : إني خفت عليه من القتل فألقيته بيدي في يد العدو الذي أمر بقتله. قال ابن عطية : وقالت فرقة : فارغا من الصبر. ولعله يعني من الصبر على فقده. وكل الأقوال الراجعة إلى هذه الناحية ترمي إلى أن أم موسى لم تكن جلدة على تنفيذ ما أمرها الله تعالى وأن الله تداركها بوضع اليقين في نفسها.
وجملة (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) تكون بالنسبة للتفسير الأول استئنافا بيانيا لما اقتضاه فعل (أَصْبَحَ) من أنها كانت على حالة غير حالة فراغ فبينت بأنها كانت تقارب أن تظهر أمر ابنها من شدة الاضطراب فإن الاضطراب ينم بها.
فالمعنى : أصبح فؤادها فارغا ، وكادت قبل ذلك أن تبدي خبر موسى في مدة إرضاعه من شدة الهلع والإشفاق عليه أن يقتل. وعلى تفسير ابن عباس تكون جملة (إِنْ كادَتْ) بمنزلة عطف البيان على معنى (فارِغاً). وهي دليل على الاستثناء المحذوف.
فالتقدير : فارغا إلا من ذكر موسى فكادت تظهر ذكر موسى وتنطق باسمه من كثرة تردد ذكره في نفسها.
وأما على الأقوال الراجعة إلى الناحية الثانية فجملة (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) بيان لجملة : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) ، أي كادت لتبدي أمر موسى من قلة ثبات فؤادها.
وعن مجاهد : لما رأت الأمواج حملت التابوت كادت أن تصيح.
والباء في (بِهِ) إما لتأكيد لصوق المفعول بفعله والأصل : لتبديه ، وإما لتضمين (تبدي) معنى (تبوح) وهو أحسن و (إِنْ) مخففة من الثقيلة. واللام في (لَتُبْدِي) فارقة بين (إِنْ) المخففة و (إن) النافية.
والربط على القلب : توثيقه عن أن يضعف كما يشد العضو الوهن ، أي ربطنا على قلبها بخلق الصبر فيه. وجواب (لَوْ لا) هو جملة (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ).
والمراد بالمؤمنين المصدقون بوعد الله ، أي لو لا أن ذكّرناها ما وعدناها فاطمأن فؤادها. فالإيمان هنا مستعمل في معناه اللغوي دون الشرعي لأنها كانت من المؤمنين من قبل ، أو أريد من كاملات المؤمنين.
واللام للتعليل ، أي لتحرز رتبة المؤمنين بأمر الله الذين لا يتطرقهم الشك فيما يأتيهم