وحين الغفلة : هو الوقت الذي يغفل فيه أهل المدينة عما يجري فيها وهو وقت استراحة الناس وتفرقهم وخلوّ الطريق منهم. قيل : كان ذلك في وقت القيلولة وكان موسى مجتازا بالمدينة وحده ، قيل ليلحق بفرعون إذ كان فرعون قد مر بتلك المدينة. والمقصود من ذكر هذا الوقت الإشارة إلى أن قتله القبطي لم يشعر به أحد تمهيدا لقوله بعد (قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) [القصص : ١٩] الآيات ومقدمة لذكر خروجه من أرض مصر.
والإشارتان في قوله : (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) تفصيل لما أجمل في قوله (رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ).
واسم الإشارة في مثل هذا لا يراعى فيه بعد ولا قرب ، فلذلك قد تكون الإشارتان متماثلتين كما هنا وكما في قوله تعالى (لا إِلى هؤُلاءِ) [النساء : ١٤٣]. ويجوز اختلافهما كقول المتلمس :
ولا يقيم على ضيم يراد به |
|
إلا الأذلان غير الحي والوتد |
هذا على الخسف مربوط برمته |
|
وذا يشج فلا يرثي له أحد |
والشيعة : الجماعة المنتمية إلى أحد ، وتقدم آنفا في قوله (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) [القصص : ٤]. والعدو : الجماعة التي يعاديها موسى ، أي يبغضها. فالمراد بالذي من شيعته أنه رجل من بني إسرائيل ، وبالذي من عدوه رجل من القبط قوم فرعون. والعدو وصف يستوي فيه الواحد والجمع كما تقدم عند قوله تعالى (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) في سورة الشعراء [٧٧].
ومعنى كون (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) يجوز أن يكون المراد بهذين الوصفين أن موسى كان يعلم أنه من بني إسرائيل بإخبار قصة التقاطه من اليمّ وأن تكون أمه قد أفضت إليه بخبرها وخبره كما تقدم ، فنشأ موسى على عداوة القبط وعلى إضمار المحبة لبني إسرائيل.
وأما وكزه القبطي فلم يكن إلا انتصارا للحق على جميع التقادير ، ولذلك لما تكررت الخصومة بين ذلك الإسرائيلي وبين قبطي آخر وأراد موسى أن يبطش بالقبطي لم يقل له القبطي : إن تريد إلا أن تنصر قومك وإنما قال (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) [القصص : ١٩].