قيل : كان القبطي من عملة مخبز فرعون فأراد أن يحمل حطبا إلى الفرن فدعا إسرائيليا ليحمله فأبى فأراد أن يجبره على حمله وأن يضعه على ظهره فاختصما وتضاربا ضربا شديدا وهو المعبر عنه بالتقاتل على طريق الاستعارة.
والاستغاثة : طلب الغوث وهو التخليص من شدة أو العون على دفع مشقة. وإنما يكون هذا الطلب بالنداء فذكر الاستغاثة يؤذن بأن الإسرائيلي كان مغلوبا وأن القبطي اشتد عليه وكان ظالما إذ لا يجبر أحد على عمل يعمله.
والوكز : الضرب باليد بجمع أصابعها كصورة عقد ثلاثة وسبعين ، ويسمى الجمع بضم الجيم وسكون الميم.
و (فَقَضى عَلَيْهِ) جملة تقال بمعنى مات لا تغيّر. ففاعل (قضى) محذوف أبدا على معنى قضى عليه قاض وهو الموت. ويجوز أن يكون عائدا إلى الله تعالى المفهوم من المقام إذ لا يقضي بالموت غيره كقوله (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) [سبأ : ١٤]. وقيل ضمير (فَقَضى) عائد إلى موسى وليس هذا بالبيّن. فالمعنى : فوكزه موسى فمات القبطي. وكان هذا قتل خطأ صادف الوكز مقاتل القبطي ولم يرد موسى قتله. ووقع في سفر الخروج من التوراة في الإصحاح الثاني أن موسى لما رأى المصري يضرب العبراني التفت هنا وهناك ورأى أن ليس أحد فقتل المصري وطمره في الرمل.
وجملة (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) مستأنفة استئنافا بيانيا كأن سائلا سأل : ما ذا كان من أمر موسى حين فوجئ بموت القبطي. وحكاية ذلك للتنبيه على أن موسى لم يخطر بباله حينئذ إلا النظر في العاقبة الدينية. وقوله هو كلامه في نفسه.
والإشارة بهذا إلى الضربة الشديدة التي تسبب عليها الموت أو إلى الموت المشاهد من ضربته ، أو إلى الغضب الذي تسبب عليه موت القبطي. والمعنى : أن الشيطان أو قد غضبه حتى بالغ في شدة الوكز. وإنما قال موسى ذلك لأن قتل النفس مستقبح في الشرائع البشرية فإن حفظ النفس المعصومة من أصول الأديان كلها. وكان موسى يعلم دين آبائه لعله بما تلقّاه من أمه المرأة الصالحة في مدة رضاعه وفي مدة زيارته إياها.
وجملة (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) تعليل لكون شدة غضبه من عمل الشيطان إذ لو لا الخاطر الشيطاني لاقتصر على زجر القبطي أو كفه عن الذي من شيعته ، فلما كان الشيطان عدوا للإنسان وكانت له مسالك إلى النفوس استدل موسى بفعله المؤدي إلى قتل نفس أنه