(مَنِ اسْتَأْجَرْتَ) موجه إلى شعيب ، وصالح لأن يعم كل من يصلح للخطاب لتتم صلاحية هذا الكلام لأن يرسل مثلا. فالتقدير : من استأجر المستأجر. و (مَنِ) موصولة في معنى المعرف بلام الجنس إذ لا يراد بالصلة هنا وصف خاص بمعين.
وجعل (خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ) مسندا إليه بجعله اسما لأن جعل (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) خبرا مع صحة جعل (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) هو المسند إليه فإنهما متساويان في المعرفة من حيث إن المراد بالتعريف في الموصول المضاف إليه (خَيْرَ) ، وفي المعرّف باللام هنا العموم في كليهما ، فأوثر بالتقديم في جزأي الجملة ما هو أهم وأولى بالعناية وهو خير أجير ، لأن الجملة سيقت مساق التعليل لجملة (اسْتَأْجِرْهُ) فوصف الأجير أهم في مقام تعليلها ونفس السامع أشد ترقبا لحاله.
ومجيء هذا العموم عقب الحديث عن شخص معين يؤذن بأن المتحدث عنه ممن يشمله ذلك العموم فكان ذلك مصادفا المحز من البلاغة إذ صار إثبات الأمانة والقوة لهذا المتحدث عنه إثباتا للحكم بدليل. فتقدير معنى الكلام : استأجره فهو قوي أمين وإن خير من استأجر مستأجر القوي الأمين. فكانت الجملة مشتملة على خصوصية تقديم الأهم وعلى إيجاز الحذف وعلى المذهب الكلامي ، وبذلك استوفت غاية مقتضى الحال فكانت بالغة حد الإعجاز.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال «أشكو إلى الله ضعف الأمين وخيانة القوي». يريد: أسأله أن يؤيدني بقوي أمين أستعين به.
والإشارة في قوله (هاتَيْنِ) إلى المرأتين اللتين سقى لهما أن كانتا حاضرتين معا دون غيرهما من بنات شعيب لتعلق القضية بشأنهما ، أو تكون الإشارة إليهما لحضورهما في ذهن موسى باعتبار قرب عهده بالسقي لهما إن كانت الأخرى غائبة حينئذ.
وفيه جواز عرض الرجل مولاته على من يتزوجها رغبة في صلاحه. وجعل لموسى اختيار إحداهما لأنه قد عرفها وكانت التي اختارها موسى (صفورة) وهي الصغرى كما جاء في رواية أبي ذر عن النبي صلىاللهعليهوسلم. وإنما اختارها دون أختها لأنها التي عرف أخلاقها باستحيائها وكلامها فكان ذلك ترجيحا لها عنده.
وكان هذا التخيير قبل انعقاد النكاح ، فليس فيه جهل المعقود عليها.
وقوله (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) حرف (عَلى) من صيغ الشرط في العقود.