وأمّا نسبته من القدرة فمن حيث كونه من باب التأثير الإلهي والكوني آلة ، ولهذا كان الإيجاد موقوفا على قول «كن» معنى أو صورة أو هما معا لا محالة ، واشتقّ له اسم من الكلم ـ وهو التأثير ـ تنبيها على هذا السرّ الخطير.
ثمّ سرى الحكم في كلّ كلام صادر من كلّ متكلّم أن لا يظهر إلّا بحكم النسب المذكورة ، منصبغا بما انطوت عليه السريرة ، واقتضاه حكم الصفة الغالبة على المتكلّم حين الكلام والسيرة ، وسيتلى عليك من أخباره ، ما يكشف لك (١) عن سرّ مراتبه وأحكامه وأسراره (٢).
ثمّ إنّ الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ جعل العالم الكبير الأوّل من حيث الصورة كتابا حاملا صور أسماء الحقّ وصور نسب علمه المودع في القلم الأسمى ، وجعل الإنسان الكامل ـ الذي هو العالم الصغير من حيث الصورة ـ كتابا وسطا جامعا بين حضرة الأسماء وحضرة المسمّى ، وجعل القرآن العزيز [شارح] خلق المخلوق على صورته ، ليبيّن به خفيّ سيرته ، وسرّ سورة مرتبته ، فالقرآن العزيز هو النسخة الشارحة صفات الكمال الظاهر بالإنسان ، والفاتحة نسخة النسخة القرآنيّة من غير اختلال ولا نقصان ؛ وكما أنّ كلّ نسخة تالية هي مختصرة الأولى ، كذلك كانت الفاتحة آخر النسخ العلى.
والكتب الإلهيّة الكليّة خمسة على عدد الحضرات الأول الأصليّة.
فأوّلها الحضرة الغيبيّة العلميّة النوريّة المحيطة بكلّ ما ظهر ، ولها المعاني المجرّدة والنسب الأسمائيّة العلميّة.
وتقابلها حضرة الظهور والشهادة ، ولها ظاهر الوجود الكوني ـ المسمّى بالكتاب الكبير ـ وسائر التشخّصات الصوريّة.
وحضرة الجمع والوجود والإخفاء والإعلان ، ولها الوسط ، وصاحبها الإنسان.
وعن يمين هذه الحضرة الوسطى حضرة بينها وبين الغيب المتقدّم ، نسبتها إليه أقوى وأتمّ ، وكتابها عالم الأرواح واللوح المحفوظ المصون الملحوظ.
وعن يسارها حضرة نسبتها إلى الاسم الظاهر ـ مرتبة الشّهادة ـ أقرب ، وهي مستوى الصحف المنزلة على الأنبياء والكتب.
__________________
(١) ق : له.
(٢) ق : آثاره.