فالكتب الأربعة المذكورة جداول بحر أحكام مرتبة الإنسان المستورة ، وباقي المراتب الوجوديّة التفصيليّة يتعيّن فيما بين هذه الأمّهات العلويّة ، فإنّه عليها تترتّب أحكام النسب الأصليّة ، وما يتبعها من الأسماء المتصرّفة في العوالم الملكيّة والجبروتيّة والملكوتيّة ، وأشخاص الموجودات مظاهر دقائق الأسماء والصفات.
فمن كان مظهرا لإحدى هذه المراتب الخمس ، قربت نسبته منها في حضرة القدس ؛ فإنّ حكم تلك المرتبة الأصليّة فيه يكون أظهر وأبين ، ونسبة كلامه وما يخاطب به من جهة الحقّ من حيث تلك المرتبة أشدّ وأمكن.
ولكلّ مرتبة من هذه الخمس كمال ربّاني يبدو حكمه ويدوم بحسب قبول مظهره الإنساني.
ومن كان مقامه نقطة وسط الدائرة وسلم من (١) الأطراف الجائرة كنبيّنا محمد صلىاللهعليهوآله ، فإنّ كلامه يكون أعمّ حكما ، والتنزيلات الواردة عليه أعظم إحاطة ، وأجمع علما ؛ لاستيعابه أحكام المراتب وحيطته لها ، فليس يخرج شيء عن حكم مقامه وقبضته.
ولهذا المقام أسرار سترت بإقرار وإنكار ، وأقرّت في منزلها ؛ خوفا من إظهارها في غير وقتها ، وقبل بلوغ محلّها ، ولو جاز إفشاؤها لأبرزت إليكم ، وتليت آياتها عليكم ، ولكن سرّ قوله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (٢) ـ ولم يقل : ما نزّل إليك ، ولا كلّ ما أنزل عليك ، وغير ذلك من الإشارات الإلهيّة والحكم ـ منع من التصريح بما هنالك ، فوجب اعتبار التنبيه الإلهي ، والوقوف عند ذلك.
ثمّ إنّه لمّا وقف العبد على خزائن هذه الأسرار ، واستجلى منها ما شاء الله عند رفع الأستار ، لم يجد (٣) إلّا (٤) من جانب الحقّ لإظهار ما جاد به ؛ باعثا يوجب الإفادة والإخبار ، ولا رغبة ـ بحمد الله ـ إلى طلب الظهور بالإظهار ، فرجّح السكوت والكتمان ، وغلّب بالتوفيق الإلهي حكم الإخفاء على الإعلان. ولم يزل هذا حاله إلى أن جدّد له الحقّ داعية العزم كرّة أخرى ، من حيث السفر فيه على التوجّه إليه ، والتعرّض لنفحات جوده ، والإقبال
__________________
(١) ق ، ه : جذبات.
(٢) النحل (١٦) الآية ٤٤.
(٣) ساقطة من ق.
(٤) الإلّ : العهد ، الأصل. في بعض النسخ : أولا.