والجعل عن حسن المؤاتاة التامّة للفاعل على ما يريد إظهاره بها ، وهنا سرّ جليل إن بحثت عليه (١) وصلت إليه ـ إن شاء الله تعالى ـ
وإذا تقرّر هذا ، فلنرجع إلى ما كنّا بسبيله من كشف بدء الأمر وتفصيله ، فنقول : فشاهد الحقّ بالنظر المذكور على النحو المشار إليه كمالا آخر مستجنّا في غيب هويّته غير الكمال الأوّل الوجودي الذاتي الوجوبي ، وإذا رقيقة متّصلة بين الكمالين اتّصال تعشّق تامّ ، فكان ذلك الكمال المستجنّ كمال الجلاء والاستجلاء الآتي حديثه ، فاستدعت واستتبعت تلك النظرة العلميّة المقدسّة عن أحكام الحدوث من حيث النسبة الشهوديّة التي لمّا ظهر تعيّنها عندنا فيما بعد وعقلت ، عبّر عنها بالاسم «البصير» ـ انبعاث تجلّ غيبي آخر ، فتعيّن ذلك التجلّي لنفسه ـ منصبغا بصبغة (٢) حبّية متعلّقة بما شاهده العلم ـ يطلب (٣) ظهوره ، وذلك لتقدّم مرتبة العلم على مرتبة المحبّة ؛ إذ المجهول مطلقا لا تتعلّق به محبّة أصلا ، كما أشرنا إليه في الطلب الأسمائي والكوني (٤) في كتاب مفتاح غيب الجمع (٥).
ولمّا لم يكن في الغيب إلّا ما هو معلوم للحقّ ومشهود له ؛ لإحاطته بالأشياء وارتسامها في ذاته كان ذلك تقدّما بالنسبة ، والمرتبة كتقدّم الإرادة على القدرة ونحو ذلك ، فنظير العلم في ذلك نسبتا (٦) حكمه وحكمته اللذين كانت الرؤيتان منّا ـ البصريّة ، والعقليّة ـ مظهرين ونظيرتين لهما.
فعلم أنّ حصول المطلوب يتوقّف على تركيب مقدّمتين ؛ إذ الواحد من حيث وحدانيّته وفي مقام أحديّته لا ينتج غيره ، ولا تظهر عنه كثرة ، فلا يصحّ معه إلّا هو فقط ، وعلم أنّ الكمال المطلوب لا يظهر بدون الكثرة ، فعلم أنّ ما لا يحصل المطلوب إلّا به فهو مطلوب.
ولم يتعيّن من مطلق الغيب حالتئذ إلّا مقدّمة واحدة وهي التجلّي بالباعث الحبّي ، فلم ينفذ الحكم ؛ لما ذكرنا من سرّ الوحدانيّة ، وسرّ (٧) الغنى الذاتي الغيبي الوجودي أيضا الذي له السلطنة حالتئذ ، والإحاطة بما ذكرنا من النسب.
__________________
(١) كذا في الأصل. والأنسب «عنه».
(٢) ق : بصفة.
(٣) ق : بطلب.
(٤) ق : والكوني و.
(٥) المقصود منه كتاب مفتاح غيب الجمع والوجود الذي شرحه ابن الفناري.
(٦) في الأصل : من نسبتي حكمه وحكمته.
(٧) ه : لسرّ.