وهذا من سرّ أحديّة التراكيب الستّة غير المفيدة والمنتجة وهو قولي : اتّصال أحكام التجلّيات بعضها ببعض دون أمر آخر يكون مظهرا لحكمها المسمّى فعلا لا يفيد ولا ينتج ، وعين الفعل هو التجلّي بنسبة التأثير الواصل من الحقّ ـ من كونه موجدا وخالقا ـ إلى المفعول فيه ، أو به ، أو معه ، أو له على اختلاف المراتب.
ف «فيه» إذا كان هو المقصود أو من جملة المقصود. و «به» إذا كان الواسطة و (١) الشرط ، و «معه» إذا كان جزء علّة أو (٢) أحد الأسباب ، أو مرادا باعتبار. و «له» إذا كانت فائدة ذلك الفعل تعود عليه ، أو كانت (٣) غايته ، وهو سرّ إيجاد الحقّ العالم للعالم (٤) ، وسرّ الأمر بالعبادة لأجل العابد لا للمعبود ؛ لأنّه يتعالى من حيث عزّه وغناه [عن] أن يكون فعله لغرض ، بل رحمة ذاتيّة بالكون ، وقس على ذلك باقي مراتب الفعل ؛ فقد فتحت لك الباب.
ثم نقول (٥) : والموجب الآخر لتأخّر حصول النتيجة ونفوذ الحكم بمجرد التجلّي الحبّي هو : أنّه لو فرضنا وقوع الأمر بهذه المقدّمة الواحدة أو إمكانه ، لسبق (٦) إلى مدارك بعض من يتعيّن بذلك الحكم ويظهر عينه أنّ الأمر الإيجاديّ والإنشاء الكوني إنّما متعلّقه وغايته تحصيل ما يختصّ بحضرة الحقّ لا غير ، فكان ذلك نوع نقص متوهّم في مرتبة الغنى الكمالي الوجودي الذاتي (٧) ، وتعالى ذلك الجناب عمّا (٨) لا يليق به.
فلمّا لم ينفذ حكم التجلّي المذكور ؛ لهذه الموانع وغيرها ممّا لا يمكن ذكره ، عاد يطلب مستقرّه من الغيب المطلق ، كما هو سنّة سائر التجلّيات المتعيّنة بالمظاهر وفيها عند انقضاء حكمها في المتجلّى له ، فإنّها بالذات هي تطلب الرجوع والتقلّص إلى أصلها عند انقضاء (٩) حكمها بالمظاهر وفيها ؛ لعدم مناسبتها عالم الكثرة ، وهذا هو سبب الانسلاخ الحاصل للتجليّات التفصيليّة بعد التلبّس بأحكام المتجلّى له ، وعودها إلى الغيب (١٠) الذي ذكرته في سرّ التجلّي والمتجلّى له ، وفي مراتب التصوّرات وسبب تجرّد الأرواح الإنسانيّة عن
__________________
(١) ب : أو.
(٢) في بعض النسخ : و.
(٣) ق : كان.
(٤) ق : لعالم.
(٥) ق : أقول.
(٦) ق : ليسبق.
(٧) ب : والذاتي.
(٨) ق : بما.
(٩) ب : انقضائها.
(١٠) ق : النسب.