مبدئيّة ظهور حكم القصد ، من كون الحامد متوجّها لإظهار ما شرع فيه بالحمد.
وهو أيضا تنبيه على معرفة المثني بالمحمود من الوجه الذي بعثه على الحمد ، وبالحال الموجب له ذلك.
وهو ـ أعني الحمد ـ في الآخر تعريف بكمال ما شرع فيه ، وبحصول ما كان مطلوبا مع أنّه يسري في ذلك حكم طلبي متعلّقه دوام التحقق بذلك الكمال ، وبقاء حكمه بعد نفوذه على الوجه الأتمّ وإيناع (١) الثمرات العظيمة الجدوى. ولأوّل الحمد الغيب المفتتح به ، ولآخره الشهادة المقتضية له وإن انتهى إلى الغيب.
وأمّا السرّ الجامع بينهما فراجع إلى المقام الذي تساوى (٢) نسبة الأطراف والمحامد [بالنسبة] إليه ، ويختص بحمد الحمد الذي له الشمول والإحاطة ، ومن ألسنته (٣) «الحمد لله على كلّ حال» فافهم.
ثم اعلم ، أنّ أوّل ما يستفاد من إخبار كلّ مخبر عن أمر مّا ، أو تعريفه له بلسان الثناء أو غيره كونه حاكما على نفسه بأنّه عارف بما أخبر عنه وأثنى عليه وعرّفه من حيث ما هو مخبر ومثن ومعرّف.
ثم تقع الفائدة من تفصيل إخباره وتعريفه وثنائه أنّ ما ادّعاه وحكم به على نفسه وعلى من عرّفه وأخبر عنه وأثنى عليه هل هو صحيح أم لا؟ ويظهر ذلك بالإصابة (٤) والصدق وعدمهما ، فهو في أوّل أمره (٥) مدّع معرفة نفسه من حيث حكمه عليها ، ومعرفة المخبر عنه والمثنى عليه والمعرّف ، وفي الحال الثاني مبرهن على دعواه ، ومعرب عمّا يوضح صحّة ما ادّعاه لنفسه ولغيره.
وإذا تقرّر هذا ، فنقول : الحمد من حيث هو مطلق وكلّي لا لسان له ولا حكم يظهر عنه أو يضاف إليه ، وهكذا شأن جميع الصفات والأسماء والحقائق المجرّدة الكلّيّة ، المنسوبة إلى الحقّ وإلى الخلق على سبيل الاختصاص أو الاشتراك النسبي. وقد تقدّمت في بيان ذلك تنبيهات شتّى.
__________________
(١) ق : إيفاعه ، وفي بعض النسخ : إيناعه والصحيح ما أثبتناه.
(٢) أي : تتساوى. وفي ق : يتساوى.
(٣) في بعض النسخ : ألسنة.
(٤) ب : بالإضافة.
(٥) ق : مره.