ثم ليعلم أنّ الحمد هو الثناء كما مرّ ، وكلّ ثناء من كلّ مثن على كلّ مثنى عليه فهو تعريف كما بيّنّا ، وهذا التعريف من المثني قد يكون بذاته أو بأحوالها أو بمرتبته أو بأحكامها أو بالمجموع. وقد سبقت في تعرّف (١) الذوات وأحوالها والمراتب وأحكامها تلويحات كافية ، ومع ذلك فنزيده (٢) هنا إيضاحا بمثال نذكره في الإنسان ؛ لكونه الأنموذج الأكمل والمراد بالقصد الأوّل. وإذا عرفت كيفيّة الأمر فيه ، وبالنسبة إليه ، عرف اطّراده فيما سواه من الموجودات بحسب (٣) نسبته منه ؛ إذ ليس شيء خارجا عنه فأقول :
حقيقة الإنسان عينه الثابتة ، التي قلنا : إنّها عبارة عن نسبة معلوميّته (٤) للحقّ وتميّزه في حضرته أزلا حسب مرتبته وعلم ربّه.
وأحوال هذه الحقيقة ما يتقلّب فيه الإنسان وينضاف إليه ويوصف به من الصور والنشآت والتطوّرات وغير ذلك من الأمور التي ظهرت بالوجود المستفاد من الحقّ.
ومرتبته عبارة عن عبوديّته ومألوهيّته.
وأحكام هذه المرتبة (٥) الأمور والصفات المنضافة إليه من كونه عبدا ممكنا ومألوها ، ومن كونها (٦) أيضا مرآة للحضرتين : الإلهيّة والكونيّة ، ونسخة جامعة لما اشتملتا عليه ظاهرا بصورة الحضرة والخلافة.
ولمّا كان جميع ما يظهر بالإنسان والعالم وفيهما ، ويوصفان به على سبيل الاشتراك وعلى سبيل التخصيص ليس بأمر زائد على سرّ التجلّي الإلهي الجمعي الأحدي وظهور حكمه فيهما بحسب الأسماء والصفات وبموجب (٧) أحكام النسب العلميّة المتعدّدة بقبول القابل ، كان ثناء كلّ منهما ـ أعني الإنسان والعالم جمعا وفرادى ـ على الحقّ من حيث كلّ اعتبار وقسم من الأقسام والاعتبارات المذكورة هو نفس دلالته على أصل ذلك الأمر ونسبه (٨) في الجناب الإلهي وإعرابه عنه.
فتارة من حيث التفصيل ، وتارة من حيث أحديّة الجمع ، مرّة في مقام المضاهاة من حيث
__________________
(١) ق : تعريف.
(٢) ق : فسنزيده.
(٣) ق : بحسبت.
(٤) في بعض النسخ : معلومة.
(٥) ق : المرتبة هي.
(٦) ق : كونه.
(٧) ق : بموجب نسب.
(٨) ق : منبعه.