واللوح ، ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام بحقيقتي الهيولى والجسم الكلّ ثم العرش هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا ، ثم عالم البرزخ ، ثم عالم الحشر ، ثم عالم جهنّم ، ثم عالم الجنان ، ثم عالم الكثيب ، ثم حضرة أحديّة الجمع والوجود ، الذي هو ينبوع جميع العوالم ، فافهم والله الهادي.
قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، التفسير : لمّا تكلّمت على مفردات قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وبيّنت ما يختصّ بكلّ كلمة منها من الأسرار الكلّيّة والأحكام الجمليّة اللازمة لها ، احتجت [إلى] أن أتكلّم على هذه الآية مرّة أخرى بتنبيه وجيز جملي ، لتفهم من حيث جملتها وتركيبها ، كما علمت من حيث مفرداتها ، وهكذا أفعل في باقي السورة ـ إن شاء الله ـ ثم أضيف إلى ما سبق ذكره من التنبيه الجملي المذكور الكلام على الاسمين : «الرّحمن» ، «الرّحيم» حسب ما يستدعيه هذا الموضع ، وإن كان فيما سلف غنية ولكن لا بدّ من التنبيه على حكمهما هنا مع تقدّم ذكرهما في البسملة ، فنقول :
اعلم ، أنّه لمّا كان ظهور الحمد من الحامدين للمحمودين إنّما يكون في الغالب بعد الإنعام وفي مقابلة الإحسان ، وأنهى من (١) ذلك الحمد الصادر من العارفين المخلصين لا في معرض أمر مخصوص ؛ فإنّ نفس معرفتهم ـ المستفادة من الحقّ بأنّه سبحانه يستحقّ الحمد لذاته وما هو عليه من الكمال ـ من أجلّ النعم وأسناها ، ولم (٢) يخل أحد من أن يكون على إحدى حالتين ؛ الراحة أو (٣) النكد ، وصحّ عند المحقّقين أنّ الحقّ أعرف بمصالح عباده وأرعاها لهم منهم ، لا جرم جمع سيّد العارفين والمحقّقين صلىاللهعليهوآله حكم الحمد في قوله في السرّاء : «الحمد لله المنعم المفضل» وفي قوله في الضرّاء : «الحمد لله على كلّ حال» (٤) تنبيها على أنّ الحال الذي لا يوافق أغراضنا وطباعنا لا يخلو عن مصلحة أو مصالح لا ندركها ، يعود نفعها (٥) علينا ،
فتلك (٦) الأحوال وإن كرهناها فلله فيها رحمة خفيّة ، وحكمة عليّة يستحقّ منّا الحمد عليها ، وذلك القدر من الكراهة هو حكم بعض أحوالنا عاد علينا مع التجاوز الإلهي عنّا في
__________________
(١) ه : عن.
(٢) ق : ولما لم.
(٣) ق : و.
(٤) جامع المسانيد ، ج ٢٩ ، ص ٢٦٢.
(٥) في بعض النسخ : نفعه.
(٦) ق : وتلك.